وعمدة ما تمسّكوا به في ذلك أمران :
[ الأمر ] الأوّل ـ وهو ما عوّل عليه إمامهم في « المحصّل » ـ : هو قول الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا(١) |
وإنّما التعجّب أنّهم من أين عرفوا أنّ مراد الشاعر ممّا في الفؤاد غير الأمور المذكورة التي سمّوه كلاما نفسيا؟ مع أنّي لا أظنّ أنّ عاقلا يجد في نفسه هذا الأمر المحال.
ونعم ما قال المصنّف في نقد المحصّل : فقد صارت مسألة قدم الكلام ـ إلى أن قام العلماء فيها وقعدوا وضرب الخلفاء لأجلها الأكابر بالسوط ، بل بالسيف ـ مبنيّة على هذا البيت الذي قاله الأخطل (٢). انتهى. والأعجب تكفيرهم من يأبى القول بهذا الأمر.
قال شارح المقاصد : وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسيّ وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستّة أشهر ، ثمّ استقرّ رأيهما على أنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر (٣). انتهى.
[ الأمر ] الثاني : هو ما قالوا من أنّ المتكلّم من قام به الكلام لا من أوجد الكلام ولو في محلّ آخر ؛ للقطع بأنّ موجد الحركة في جسم آخر لا يسمّى متحرّكا.
والجواب ما مرّ من أنّ المتكلّم من قام به الكلام بمعنى التكلّم ، وهو القدرة على إيجاد الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وهو ما يلقيه المتكلّم إلى غيره لإظهار ما في ضميره أعني الألفاظ الدالّة على المعاني بحسب الوضع ، وليس المتكلّم من قام به الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وإلاّ لزم كون الهواء متكلّما ؛ لكون الألفاظ قائمة به ،
__________________
(١) « المحصّل » : ٤٠٨.
(٢) الموجود في « نقد المحصّل » : ٢٩٢ كالتالي : « الاستدلال بهذا البيت ركيك ، وهو يقتضي أن يقال للأخرس : متكلّم ؛ لكونه بهذه الصفة ، والباقي ظاهر ».
(٣) « شرح المقاصد » ٤ : ١٤٩.