الألفاظ المذكورة ؛ لتوقّف العلم [ و ] الإيصال إلى النعيم الأبديّ الذي هو الغرض على تحصيل القابليّة ، وهذا يتوقّف على العمل بمقتضى ومباشرة الطاعات ، والاجتناب عن المعاصي ، وذلك موقوف على العلم بالأحكام الشرعيّة ، وهو موقوف على بيانه تعالى ، وهو موقوف على إيجاد الألفاظ المذكورة ، فالداعي على الإيجاد موجود والمانع عنه مفقود ، فالإيجاد لازم.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ كلام الله لفظيّ لا نفسيّ محض. بيانه أنّه لا خلاف لأرباب المذاهب أنّه تعالى متكلّم ، وإنّما الخلاف في معنى كلامه وقدمه وحدوثه ، وذلك لأنّ هاهنا قياسين متعارضين لهم ـ على ما حكي (١) عنهم ـ :
أحدهما : أنّ كلامه تعالى صفة له ، وكلّ ما هو صفة له فهو قديم ، فكلامه تعالى قديم.
وثانيهما : أنّ كلام الله تعالى مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود ، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث ؛ فكلامه حادث.
فالحنابلة قالوا بالقياس الأوّل ومنعوا كبرى القياس الثاني ، وادّعوا قدم الحروف والأصوات القائمة بذاته تعالى.
[ و ] الكراميّة عكسوا ؛ حيث جوّزوا قيام الحوادث بذاته تعالى.
والمعتزلة قالوا بصحّة القياس الثاني أيضا ولكنّهم قدحوا في صغرى القياس الأوّل ؛ حيث ادّعوا أنّ كلام الله ليس قائما بذاته ، بل خلقه الله في غيره كجبرئيل والنبيّ صلىاللهعليهوآله ، فمعنى التكلّم عندهم خلق الكلام.
والأشاعرة عكسوا ؛ حيث قالوا : إنّ كلام الله معنى قائم بذاته يسمّى بالكلام
__________________
(١) للتعرّف للأقوال في المسألة راجع « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٢٤٧ ـ ٢٥٨ ؛ « المحصّل : ٤٠٣ ـ ٤٠٨ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٨٩ ـ ٢٩٢ و ٣٠٧ ـ ٣١٠ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٥٢٧ ـ ٥٦٣ ؛ « كشف المراد » : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ؛ « مناهج اليقين » ١٩٣ ـ ١٩٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٩١ ـ ٩٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٤٣ ـ ١٥١ ؛ « النافع يوم الحشر » : ١٦ ـ ١٨ ؛ « مفتاح الباب » : ١٢١ ـ ١٢٦ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٠٨ ـ ٢١٣ و ٢١٩ ـ ٢٢١.