هذا ، مع أنّ ما فرض ـ من عدم افتقار البقاء إلى الذات ـ محال ؛ لأنّ افتقار الصفة إلى الذات ضروريّ.
ورابعها : أنّ البقاء لو كان صفة أزليّة زائدة على الذات ، قائمة به كانت بالبقاء ويتسلسل.
فإن قيل : هو باق بالبقاء لكن بقاؤه نفسه ليس زائدا عليه حتّى يتسلسل.
قلنا : فحينئذ يجوز أن يكون البارئ تعالى باقيا ببقاء هو نفسه » (١).
أقول : الدليل الإجماليّ على ثبوت تلك الصفات له تعالى أنّ ثبوتها كمال وعدمها نقص ، ولا شكّ في صحّة اتّصاف الموجود ـ بما هو موجود ـ بها ، بمعنى أنّ حيثيّة الموجود لا تنافي الاتّصاف بها وإن أمكن تحقّق المنافي لها في بعض الموجودات كالصورة والطبيعة الزائدة على وصف الموجوديّة ، فالموجود الذي ليس فيه إلاّ جهة الموجوديّة ليس فيه ما ينافي الاتّصاف بالكمال ، وواجب الوجود موجود بما هو موجود من غير خصوصيّة زائدة ؛ لما مرّ من أنّ حقيقته عين الوجود ، وليس حقيقته إلاّ الوجود ، فليس فيه خصوصيّة تكون فرعا لماهيّة زائدة على الوجود ، فليس فيه ما ينافي الاتّصاف بالكمالات ، وقد مرّ أنّ كلّ ما يمكن اتّصاف الواجب به ، فهو واجب الحصول ؛ لامتناع كون صفته تعالى بالقوّة ، فواجب الوجود متّصف بالكمالات المذكورة على وجه الوجوب.
وأيضا : فإنّ آثار تلك الصفات ، الصادرة عن الواجب ـ كانكشاف الأشياء ونحوه ـ إمّا أن تكون بلا منشأ أو معه. والأوّل مستلزم للترجيح بلا مرجّح ، أو الترجّح بلا مرجّح ، وكلاهما فاسد.
وعلى الثاني إمّا أن يكون المنشأ غير ذاته تعالى ، أو نفس ذاته.
وعلى الأوّل يلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود ، وتعدّد الواجب إن كان ذلك
__________________
(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٢٣.