والمتمكّن هو المحتاج إلى الغير في الوجود لا في أمر آخر غيره ، فلا يلزم إمكان الواجب.
وأيضا : استغناء المكان عن المتمكّن في وجوده ممنوع.
قوله : لأنّ المكان قد يوجد بدون المتمكّن ، قلنا : ممنوع لو لم يكن المتمكّن هو الواجب كما في فرضنا هذا.
وأيضا : لو كان متحيّزا ، فإمّا أن يكون في جميع الأحياز ، فيلزم تداخل المتحيّزات ، ومخالطة الواجب لما لا ينبغي من القاذورات ، وإمّا أن يكون في البعض دون البعض ، فإن كان المخصّص لزم احتياج الواجب إلى ذلك المخصّص ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح.
أقول : يجوز أن يكون المخصّص هو الإرادة ، على أنّ الاحتياج المستحيل هو احتياج الواجب في وجوده لا احتياجه في صفة أخرى ، كما ذكرنا آنفا.
وأيضا لو كان في مكان لكان المكان قديما ، وقد بيّنّا أنّ العالم حادث.
وأيضا لو كان متحيّزا ، لكان جوهرا ؛ لاستحالة كون الواجب عرضا ، فإمّا أن لا ينقسم ، وحينئذ يكون جزءا لا يتجزّأ وهو أحقر الأشياء ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، أو ينقسم وحينئذ يكون جسما ، وكلّ جسم حادث ؛ لما بيّنّا من حدوث الأجسام ، ومركّبا أيضا ، فيلزم حدوث الواجب وتركّبه.
( و ) على نفي ( الحلول ) أيضا وهو الحصول على سبيل التبعيّة ؛ فإنّه ينفي الوجوب الذاتي.
وأيضا إن حلّ في شيء ، فمحلّه إن قبل الانقسام لزم انقسامه بحسب انقسام المحلّ وتركّبه ، وإن لم ينقسم ، كان الواجب أحقر الأشياء.
أقول : هذا لا ينافي كونه حالاّ في مجرّد. وذهب بعض المتصوّفة إلى أنّ الله يحلّ في العارفين ، والنصارى إلى حلوله في عيسى عليهالسلام فإن أرادوا بالحلول هذا المعنى فباطل. وإن أرادوا غير ذلك فلا يمكن نفيه وإثباته إلاّ بعد تصوّر معناه.