فإنّهم يقولون : اللذّة إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، فمن أدرك كمالا في ذاته التذّ به ، وذلك ضروريّ يشهد به الوجدان.
ثمّ إنّ كماله تعالى أجلّ الكمالات ، وإدراكه أقوى الإدراكات ، فوجب أن تكون لذّته أقوى اللذّات ، ولذلك قالوا : أجلّ مبتهج هو المبدأ الأوّل بذاته تعالى (١).
واعترض (٢) عليه بأنّه إن أريد أنّ الحالة التي نسمّيها اللّذّة هي نفس إدراك الملائم ، فغير معلوم. وإن أريد أنّها حاصلة عند إدراك الملائم ، فربما يختصّ ذلك بإدراكنا دون إدراكه ؛ فإنّهما مختلفان قطعا.
( والمعاني والأحوال والصفات الزائدة عينا ) يعني وجوب الوجود يدلّ على نفي المعاني ، خلافا للشيخ أبي الحسن الأشعريّ (٣) ؛ فإنّه قال : إنّ لله تعالى معاني قائمة بذاته هي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر ، وعلى نفي الأحوال خلافا لأبي هاشم ؛ فإنّه قال : إنّ لله تعالى أحوالا مثل العالميّة والقادريّة والمريديّة والحيّية وغيرها ، وعلى نفي الصفات الزائدة في الأعيان خلافا لطائفة من المعتزلة ؛ فإنّهم قالوا : إنّ لله تعالى صفات زائدة في الأعيان ، واختار المصنّف نفي هذه الأمور كلّها ؛ لأنّ وجوب الوجود دلّ (٤) على نفيها ؛ لأنّ هذه الأمور إن كانت واجبة لذواتها لزم تعدّد الواجب ، وقد أبطلناه. وإن كانت ممكنة لذواتها فالموجب لها إن كان هو ذات الواجب لزم أن يكون الواجب قابلا وفاعلا وهو باطل. وإن كان غيره لزم افتقار الواجب إلى غيره.
واعترض عليه بأنّه لم يثبت امتناع كون الواحد قابلا وفاعلا.
( و ) كذا وجوب الوجود يدلّ على نفي ( الرؤية ).
__________________
(١) قاله ابن سينا ، كما في « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٣٥٩.
(٢) المعترض هو الفخر الرازيّ انظر المصدر السابق.
(٣) راجع ص ٢٨٦ من هذا الجزء.
(٤) في المصدر : « دالّ ».