الخامس : أنّ معرفة الله لا تتوقّف على العلم بمسألة الرؤية ، فيجوز أن يكون (١) ـ لاشتغاله بسائر العلوم والوظائف الشرعيّة ـ لم تخطر بباله هذه المسألة حتّى سألوها منه ، فطلب العلم ، أو خطرت بباله وكان ناظرا فيها وكان طالبا للحقّ ، فاجترأ على السؤال ليتبيّن له جليّة الحال.
وأجيب بأنّ التزام جهل النبيّ المصطفى بالتكلّم [ ذاهل (٢) ] في معرفة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وما يجوز عليه ويمتنع ، دون آحاد المعتزلة ومن حصّل طرفا من علم الكلام هي البدعة الشنعاء والطريقة العوجاء التي لا يسلكها أحد من العقلاء.
وعلى الوجه الثاني (٣) أيضا بأنّه لم يعلّق الرؤية على استقرار الجبل مطلقا ، أو حالة السكون ليكون ممكنا ، بل عقيب النظر ؛ بدلالة الفاء وهو حالة التزلزل والاندكاك ، ولا نسلّم إمكان الاستقرار حينئذ.
وأجيب بأنّها علّقت على استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد بحال السكون أو الحركة ، وإلاّ لزم الإضمار في الكلام.
فإن قيل : استقرار الجبل واقع في الدنيا ، فيلزم وقوع الرؤية فيها.
قلنا : المراد استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد بحال حركة أو سكون ، لكن في المستقبل وعقيب النظر ؛ بدليل الفاء « وإن » فلا يرد السكون السابق واللاحق.
فإن قيل : وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط.
قلنا : ذلك في الشرط بمعنى ما يتوقّف عليه الشيء ، ولا يكون داخلا. وأمّا الشرط التعليقيّ فمعناه ما يتمّ به علّيّة العلّة ، وآخر ما يتوقّف عليه الشيء وما جعل بمنزلة الملزوم لما علّق عليه.
وأيضا الاستقرار حال الحركة ممكن بأن يحصل بدل الحركة السكون ، ومن
__________________
(١) الضمير المستتر راجع إلى موسى عليهالسلام.
(٢) الكلمة غير موجودة في المصدر.
(٣) أي واعترض على الوجه الثاني من وجوه الاحتجاج.