المعقول أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرهما من الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، وذلك ظاهر ، ونرى الجواهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ؛ ولهذا نميّز الطويل عن العريض ، ونميّز الطويل عن الأطول ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ؛ لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة ، فالطول إن قام بجزء واحد منها ، فذلك الجزء يكون أكبر حجما من الجزء الآخر ، فتقبل القسمة ، هذا خلف. وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض بمحلّين وهو محال ، فرؤية الطول هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم ، فيثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة ، لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود وانتفائها عند العدم ؛ فإنّ الأجسام والأعراض لو كانت معدومة لاستحال كونها مرئيّة بالضرورة والاتّفاق ، ولو تحقّق أمر مصحّح حال الوجود غير متحقّق حال العدم لكان اختصاص الصحّة بحال الوجود ترجيحا بلا مرجّح ؛ لأنّ نسبة الصحّة ـ على تقدير استغنائها عن العلّة ـ إلى طرفي الوجود والعدم على السواء وهذه العلّة المصحّحة للرؤية لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ؛ لكون معلولها مشتركا بينهما ، وإلاّ لزم تعليل الأمر الواحد ـ وهو صحّة كون الشيء مرئيّا ـ بالعلل المختلفة وهي الأمور المختصّة إمّا بالجوهر ، وإمّا بالعرض ، وهو غير جائز ؛ لما مرّ في مبحث العلل.
وهذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ؛ إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ؛ فإنّ الأجسام لا توافق الألوان في صفة عامّة يتوهّم كونها مصحّحة سوى هذين ، لكنّ الحدوث لا يصلح أن يكون علّة للصحّة ؛ لأنّه عبارة عن الوجود مع اعتبار عدم سابق ، والعدم لا يصلح أن يكون جزءا للعلّة ؛ لأنّ التأثير صفة إثبات ، فلا يتّصف به العدم ولا ما هو مركّب منه.
فإذن العلّة المشتركة هي الوجود ليس إلاّ ، وأنّه مشترك بينهما وبين الواجب ؛ لما تقدّم من اشتراك الوجود بين الموجودات كلّها ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في