ولو سلّم تماثلهما فالواحد النوعيّ قد يعلّل بعلّتين مختلفتين كالحرارة بالشمس والنار ، فلا يلزم أن يكون للمعلول المشترك علّة مشتركة. وما ذكرنا ـ من أنّ الأمر الواحد لا يعلّل بالعلل المختلفة ـ إنّما هو في الواحد بالشخص (١).
ووجه اندفاعه : أنّ متعلّق الرؤية لا يجوز أن يكون هو من خصوصيات الجوهريّة والعرضيّة ، بل يجب أن يكون ممّا يشتركان فيه ؛ للقطع بأنّا قد نرى وندرك له هويّة ما من غير أن ندرك كونه جوهرا أو عرضا فضلا عن أن ندرك ما هو زيادة خصوصيّة لأحدهما ، ككونه إنسانا أو فرسا ، سوادا أو خضرة ، بل ربما نرى زيدا بأن يتعلّق رؤية واحدة بهويّته من غير تفصيل لما فيه من الجواهر والأعراض ، ثمّ قد نفصّله إلى ما له من تفاصيل الجواهر والأعراض ، وقد نغفل عن التفاصيل بحيث لا نعلمها عند ما سئلنا عنها وإن استقصينا في التأمّل ، فعلم أنّ ما يتعلّق به الرؤية هو الهويّة المشتركة لا الخصوصيّات التي بها الافتراق. وهذا معنى كون علّة صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض.
قيل : إنّ الهويّة المطلقة المشتركة بين خصوصيّات الهويّات أمر اعتباريّ كمفهوم الماهيّة والحقيقة ، فلا يتعلّق بها الرؤية أيضا ، وأنّ المدرك من زيد في تلك الصورة هو خصوصيّة ذاته الموجودة إلاّ أنّ إدراكها إجماليّ لا يتمكّن به على تفاصيلها ؛ فإنّ مراتب الإجمال متفاوتة قوّة وضعفا ، فليس يجب أن يكون كلّ إجمال وسيلة إلى تفصيل أجزاء المدرك وما يتعلّق به من الأحوال.
الرابع : أنّه بعد ثبوت كون الوجود هو العلّة وكونه مشتركا بين الجوهر والعرض وبين الواجب ، لا يلزم من صحّة رؤيتهما صحّة رؤيته ؛ لجواز أن يكون خصوصيّة الجوهريّة أو العرضيّة شرطا لها ، أو خصوصيّة الواجبيّة مانعة عنها.
ووجه اندفاعه : أنّ صحّة الرؤية عند تحقّق ما يصلح متعلّقا لها ضروريّة ،
__________________
(١) في المصدر : « الواحد الشخصيّ ».