العدم كصحّة الرؤية.
ولا تفاوت فيما ذكرنا بين صحّة الملموسيّة وصحّة المخلوقيّة ؛ إذ كلّ ما يقال في هذه يقال في تلك ، وبالعكس ، فمن أين سلّم ورود النقض بإحداهما وأجاب عن الأخرى؟
وعلى (١) الوقوع الإجماع والنصّ.
أمّا الإجماع ، فباتّفاق الأمّة قبل ظهور المخالفين على وقوع الرؤية وكون الآيات والأحاديث الواردة فيها على ظواهرها حتّى روى حديث الرؤية أحد وعشرون رجلا من كبائر الصحابة رضي الله عنهم.
وأمّا النصّ ، فمن الكتاب قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (٢) وبيان ذلك أنّ « النظر » في اللغة جاء بمعنى الانتظار ويستعمل بغير صلة ، وجاء بمعنى التفكّر ويستعمل بفي ، وجاء بمعنى الرأفة ويستعمل باللام ، وجاء بمعنى الرؤية ويستعمل بإلى ، والنظر في الآية موصول ب « إلى » فوجب حمله على الرؤية.
واعترض عليه بوجوه :
الأوّل : أنّا لا نسلّم أنّ لفظة إلى صلة للنظر ، بل هو واحد الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار ، فمعنى الآية نعمة ربّها منتظرة.
ولو سلّم ، فالنظر الموصول ب « إلى » قد جاء للانتظار ، قال الشاعر :
وشعث ينظرون إلى بلال (٣) |
|
كما نظر الظماء (٤) حباء الغمام |
ومن المعلوم أنّ العطاش ينتظرون مطر الغمام ، فوجب حمل النظر المشبّه على الانتظار ليصحّ التشبيه.
__________________
(١) عطف على قوله : « ولهم على الإمكان » في ص ٣٠٥.
(٢) القيامة (٧٥) : ٢٢.
(٣) في المصدر : « هلال ».
(٤) في المصدر : « ماء الغمام ».