لا يرى بالعين ؛ إذ العين تؤدّي إلى ما وصفناه » (١).
[ و ] عن هشام بن الحكم ، قال : « الأشياء لا تدرك إلاّ بأمرين : بالحواسّ ، والقلب. والحواسّ إدراكها على ثلاثة معان : إدراك بالمداخلة ، وإدراك بالمماسّة ، وإدراك بلا مداخلة ولا مماسّة.
فأمّا الإدراك الذي بالمداخلة ، فالأصوات والمشامّ والطعوم.
وأمّا الإدراك بالمماسّة ، فمعرفة الأشكال من التثليث والتربيع ، ومعرفة الليّن والخشن والحرّ والبرد.
وأمّا الإدراك بلا مماسّة ولا مداخلة ، فالبصر ؛ فإنّه يدرك الأشياء بلا مماسّة ولا مداخلة في حيّز غيره ، ولا في حيّزه.
وإدراك البصر ، له سبيل وسبب ، فسبيله الهواء ، وسببه الضياء ، فإذا كان السبيل متّصلا بينه وبين المرئيّ والسبب قائم ، أدرك ما يلاقي من الأكوان والأشخاص ، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه ، رجع راجعا ، فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة ، فإذا لم يكن له سبيل ، رجع راجعا يحكي ما وراءه ، وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعا ، فيحكي ما وراءه ؛ إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره.
فأمّا القلب ، فإنّما سلطانه على الهواء ، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ، فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا ، رجع راجعا ، فحكى ما هو في الهواء ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جلّ الله وعزّ ؛ فإنّه إن فعل ذلك ، لم يتوهّم إلاّ ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى الله أن يشبهه خلقه (٢).
__________________
(١) « الكافي » ١ : ٩٦ ـ ٩٧ باب في إبطال الرؤية ، ح ٣ ؛ « التوحيد » : ١٠٩ ـ ١١٠ باب ما جاء في الرؤية ، ح ٨.
(٢) « الكافي » ١ : ٩٩ ـ ١٠٠ باب إبطال الرؤية ، ح ١٢.