لو صدر منه القبيح لزم الترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح ، وكلاهما قبيح عقلا ، فيكون صدوره عن الحكيم المطلق محالا ، فتجويز صدور القبيح عنه تعالى تجويز لكونه موردا للذمّ عقلا ؛ لأنّ الظلم إمّا لدفع المفسدة ، أو لجلب المنفعة ، أو للجهل ، أو السفاهة ومع عدم تصوّر شيء من ذلك في حقّ العالم الغنيّ يلزم كونه موردا للذمّ ، وهو ممتنع ضرورة ، فصدور الظلم والكذب وسائر الشرور عنه تعالى قبيح ، فلا يكون الواجب تعالى خالقا للكفر والمعاصي ، وإلاّ لكان التعذيب عليهما [ قبيحا ] والقبيح لا يصدر عنه تعالى.
وأيضا إنّه تعالى أخبر بعدم صدور الظلم عنه تعالى ، فيلزم أن لا يكون واقعا ، وإلاّ لزم الكذب المحال ، وهكذا خلق الكفر والمعاصي وإرادة الكفر من الكفّار ، والفجور من الفجّار من جهة القبح ، فيكون المراد من الكفّار والفجّار الإيمان والطاعة بالإرادة والاختيار ، لا على وجه الإجبار ؛ إذ لا إكراه في الدين من غير مغلوبيّته تعالى وعجزه تعالى بسبب عدم إيمانهم وطاعتهم.
وأمّا البرهان النقليّ الذي هو النور الساطع ، فهو الآيات الكثيرة :
منها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (١).
ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ) (٢).
ومنها : قوله تعالى : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٣).
ومنها : قوله تعالى : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) (٤).
ومنها قوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٥).
__________________
(١) يونس (١٠) : ٦١.
(٢) يونس (١٠) : ٤٤.
(٣) غافر (٤٠) : ٣١.
(٤) آل عمران (٣) : ١٠٨.
(٥) آل عمران (٣) : ١٨٢ ؛ الأنفال (٨) : ٥١.