لذاته أو لجهاته » (١) انتهى.
فالمراد أنّ الفعل بحسب الواقع ونفس الأمر له حسن أو قبح أو حالة متوسّطة يمكن إدراكه للعقل وإن لم يلاحظ الشرع ، أو لم يصل إليه نقل ، لا أنّ جميع ذلك مدرك له بالفعل فضلا عن الضرورة أو الدوام ، فالقضيّة بحسب الجهة ممكنة باعتبار إدراك العقل إن اعتبر الكلّيّة في الموضوع ، وإلاّ فمطلقة عامّة ، أو وقتيّة ، أو منتشرة ودائمة ، بل ضروريّة باعتبار ثبوت صفة الحسن أو القبح ، بمعنى أنّ الحسن أو القبح ثابت للفعل في الواقع ونفس الأمر بالدوام أو بالضرورة ، وأنّ العقل يدركهما بالقوّة ، أو بالفعل على سبيل الممكنة ، أو المطلقة ، أو وقت الجلاء والالتفات ، أو وقتا ما على سبيل الوقتيّة ، أو المنتشرة.
فالمراد من عقليّة الحسن والقبح أنّه يكون للفعل بحسب الواقع حسن أو قبح ، ويمكن للعقل إدراك ممدوحيّة فاعل الأفعال في نفس الأمر ، أو مذموميّته كذلك إن لم يرد به شرع ، أو إدراك جهة ورود الشرع على تحسين الفعل أو تقبيحه إن ورد به شرع.
وعدم علم العقل بنفسه بجهات الحسن والقبح في بعض الأفعال غير قادح في عقليّتهما ؛ لأنّه يكون من جهة خفائهما وانغمار العقل بالشهوات الحيوانيّة والعلائق الجسمانيّة ، وكونه غريقا في لجّة الأغشية الناسوتيّة ، وبعيدا عن محطّ الأنوار اللاهوتيّة ، فبإدراك الحسن والقبح في بعض الأفعال ـ الذي ليس بمرتبة ما ذكر في الخفاء ـ يحكم بعدم القول بالواسطة ، الكاشف عن حكم الله الصانع القادر المقدّر أنّ الفعل الذي أمر به الشارع حسن في نفس الأمر ، وإلاّ لكان طلب الحكيم قبيحا ، وبأنّ الفعل الذي نهى عنه الشارع قبيح في نفس الأمر ، وإلاّ لكان النهي عنه مذموما.
والمراد من شرعيّة الحسن والقبح أنّه ليس للفعل قبل ورود الشرع حسن أو قبح
__________________
(١) « شرح المقاصد » ٤ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.