حتّى يمكن للعقل إدراكه.
وقد يقال : إنّ المراد من عقليّتهما اشتمال الفعل على الجهة المحسّنة أو المقبّحة وإن لم يتمكّن العقل لإدراكهما ، والمراد من شرعيّتهما أن لا يكون كذلك ، بل يكون حسنه أو قبحه بمجرّد ورود الأمر أو النهي من الشارع ، فيمكن التعاكس بورود الأمر على المنهيّ عنه في حال النهي عنه ، وبالعكس ، وعلى الأوّل لا يصحّ التعاكس إلاّ إذا اختلف الوقت وتغيّر المصلحة بالمفسدة ، أو العكس كما في نسخ الأحكام والأديان.
فإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ العلماء المتكلّمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين :
[ القول ] الأوّل : أنّ الحسن والقبح عقليّان وهو مختار الإماميّة والحكماء والمعتزلة (١). وأشار المصنّف رحمهالله إليه بقوله : ( وهما عقليّان ) بمعنى أنّ الحاكم بهما هو العقل فعلا أو قوّة ، وأنّ الفعل حسن أو قبيح في نفسه إمّا لذاته أو لصفة لازمة له ، أو بوجوه واعتبارات ، أو على وجه التركيب باعتبار الذات والصفات والاعتبارات على الاختلاف الآتي إن شاء الله ، فالشرع كاشف ومبيّن للحسن والقبح الثابتين له على أحد الأنحاء الثلاثة ، وليس له أن يعكس القضيّة من عند نفسه بأن يحسّن ما قبّحه العقل ويقبّح ما حسّنه إلاّ إذا اختلف حال الفعل في الحسن والقبح بالقياس إلى الأزمان ، أو الأشخاص ، أو الأحوال ؛ فإنّ له حينئذ أن يكشف عمّا يتغيّر الفعل إليه من حسنه أو قبحه في نفسه.
[ القول ] الثاني : أنّ الحسن والقبح شرعيّان بمعنى أنّه ليس للفعل حسن أو قبح
__________________
(١) « تقريب المعارف » : ٥٨ ـ ٥٩ ؛ « قواعد المرام في علم الكلام » : ١٠٤ ـ ١٠٧ ؛ « نقد المحصّل » : ٣٣٩ ـ ٣٤١ ؛ « كشف المراد » : ٣٠٢ ـ ٣٠٥ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٢٩ ـ ٢٣٥ ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ٨٢ ـ ٨٥ ؛ « النافع ليوم الحشر » : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٥٤ ـ ٢٦٣ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٣٢٦ ؛ « المغني في أبواب التوحيد والعدل » ٦ : ٧ وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ٣٧١ ؛ « أصول الفقه » للمظفّر : ٢٢٣ ـ ٢٤٨.