مذهب الأشاعرة (١).
والحقّ هو الأوّل ، كما اختاره المصنّف ؛ حيث قال : ( ونفي الغرض يستلزم العبث ) بمعنى أنّ الفعل الاختياريّ الصادر عن الفاعل المختار عند خلوّه عن الغرض عبث ، والعبث قبيح ، وصدور القبيح عن الله تعالى محال ، مع أنّ الفعل بلا غرض يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، وهو محال عليه تعالى ، فيكون فعله تعالى معلّلا بالغرض وهو الداعي المحرّك إلى ذلك الفعل كالمعرفة والطاعة والاستعداد لإفاضة فيض الآخرة ، الموجبة لحصول وصف الفيّاضيّة ؛ ولهذا يقال : إنّه تعالى غاية الغايات ، وغاية كلّ مقصود ، مع أنّه الأصل في الوجود.
وقيل : الغرض هو سوق الأشياء الناقصة إلى كمالاتها التي لا تحصل إلاّ بذلك السوق ، كما أنّ الجسم لا يمكن إيصاله من مكان إلى مكان إلاّ بتحريكه وهو الغرض من تحريكه.
وفيه : نظر ؛ فإنّ الإيصال أيضا لا بدّ له من غرض.
واحتجّ الأشاعرة بأنّ الفاعل لغرض مستكمل بذلك الغرض ، والمستكمل ناقص ، والله تعالى يستحيل عليه النقصان ؛ لوجوب وجوده المقتضي لكونه تماما ، بل فوق التمام.
بيان ذلك : أنّ الغرض لا يصلح أن يكون غرضا للفاعل إلاّ عند كون وجوده أصلح له من عدمه ؛ لأنّ ما استوى وجوده وعدمه بالنظر إلى الفاعل ، أو كان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا على الفعل وسببا لإقدامه عليه بالضرورة ، فكلّ ما يكون غرضا يجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل ، وأليق به من عدمه ، وهو معنى الكمال ، فإذن يكون الفاعل كاملا بوجوده وناقصا بدونه ، وهو محال في حقّ الواجب بالذات.
__________________
(١) « المحصّل » : ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٢٠٢ ـ ٢٠٦ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٦ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٤٠.