للتخليص ، والمنافذ لتنفيذ الفضول ، والأوعية لحملها ، والفرج لإقامة النسل ، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأمّلتها وأعملت فكرك فيها ونظرك ، وجدت كلّ شيء منها قد قدّر لشيء على صواب وحكمة ».
قال المفضّل : فقلت : يا مولاي! إنّ قوما يزعمون أنّ هذا من فعل الطبيعة ، فقال : « سلهم عن هذه الطبيعة : أيّ شيء؟ له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق؟ فإنّ هذا صفته (١) ، وإن زعموا أنّها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة ، علم أنّ هذا الفعل للخالق الحكيم ، وأنّ الذي سمّوه طبيعة هو سنّة في خلقه جارية على ما أجراها عليه.
فكّر يا مفضّل! في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ؛ فإنّ الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق دقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها ، وذلك أنّ الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثمّ إنّ الكبد تقبله ، فيستحيل بلطف التدبير دما ، وينفذ إلى البدن كلّه في مجار مهيّأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيّأ للماء حتّى يطرد في الأرض كلّها ، وينفذ ما يخرج منه إلى مفائض قد أعدّت لذلك ، فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، وما كان من البلّة والرطوبة جرى إلى المثانة.
فتأمّل حكمة التدبير في تركيب البدن ، ووضع هذه الأعضاء منه مواضعها ، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاّ تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ، فوصف نشوء الأبدان ونموّها في الرحم من غير يد تنالها ويدبّرها إلى الكمال » ـ إلى أن قال ـ :
__________________
(١) كذا ، وفي « بحار الأنوار » : « هذه صنعته ».