ثمّ ذكر فوائد أخرى كجعل منافذ البول والغائط أشراجا تضبطهما ؛ لئلاّ يجريا جريانا دائما ، فيفسد على الإنسان عيشه ، وجعل الكبد رقيقة ناعمة ؛ لقبول الصفو اللطيف من الغذاء ، وجعل المخّ الرقيق ؛ لحفظ العظام ، والدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف ؛ لضبطه فلا يفيض ، وجعل الأظفار على أطراف الأصابع ؛ وقاية لها ومعونة على العمل ، وجعل داخل الأذن ملتويا كهيئة الكواكب ليطّرد فيه الصوت حتّى ينتهي إلى السمع ولينكسر حمّة الريح فلا ينكأ في السمع ، وجعل اللحم على فخذي الإنسان ليقيه من الأرض فلا يتألّم من الجلوس عليها كما يتألّم من نحل جسمه وقلّ لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل يقيه صلابتها ، وجعل مخرج الغائط موضعا مستورا بالفخذين والأليتين ، وخلق الشعر والأظفار ليخرج آلام البدن بخروجهما ، ولذلك أمر الإنسان بالنورة وحلق الرأس وقصّ الأظفار في كلّ أسبوع ، ليسرع الشعر والأظفار في النبات ليخرج الآلام بخروجها ، وجعلهما عديمي الحسّ ؛ لئلاّ يؤلم الإنسان الأخذ منها ، وجعل الشبق ليقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه ، وخلق الجاذبة لقبول الغذاء وإيراده على المعدة ، والممسكة لحبس الطعام حتّى تفعل فيه الطبيعة فعلها ، والهاضمة لطبخه واستخراج صفوه ، والدافعة لدفع الثفل الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها ، وإعطاء الفكر والوهم والعقل والحفظ (١) وغير ذلك (٢) ممّا لا يصدر إلاّ من مدبّر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إيّاها ، لا يعجزه شيء وهو اللطيف الخبير.
__________________
(١) « بحار الأنوار » ٣ : ٧٨ ـ ٨٠.
(٢) كخلق الحبّ لطعامه ، والوبر لكسوته ، والشجر لثمرته ، وتدبير الأمر في الماء والخبز اللذين هما رأسا معاش الإنسان سيّما الماء ؛ فإنّ حاجة الإنسان إليه أكثر ؛ لأنّه يحتاج إليه في شربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وسقي أنعامه وزرعه ، فجعل الماء مبذولا لا يشترى لتسقط عن الإنسان المئونة في طلبه وتكلّفه ، وجعل الخبز متعذّرا لا ينال إلاّ بالحيلة والحركة ليكون للإنسان في ذلك شغل يكفّه عمّا يخرجه إليه الفراغ من الاشتراء والعبث كمنع المعلّم الصبيّ عنهما وغير ذلك ممّا فيه المصلحة بتدبير الحكيم. منه ( دام ظلّه العالي ).