مع كونه أصغر ، لا من جهة إرادة تزويج أخت كلّ من الآخر ، كما عن العامّة ـ جزع عليه جزعا قطعه عن إتيان النساء فلم يستطع أن يغشى حوّاء خمسمائة عام ، ثمّ تجلّى ما به من الجزع فغشي حوّاء ، فوهب الله له شيثا يقال له : هبة الله وهو أوّل وصيّ أوصي إليه من الآدميّين في الأرض ، ثمّ ولد له يافث ، ثمّ أنزل الله بعد إدراكهما بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزل ، فأمر الله أن يزوّجها من شيث فزوّجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء أخرى من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر الله أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد لشيث غلام ، وليافث جارية ، فأمر الله بعد إدراكهما أن يزوّج ابنة يافث من ابن شيث ، ففعل ، وهكذا فعل لا بني آخرين من آدم ، ثمّ رفعهنّ الله وزوّج هؤلاء الأربعة أربعة من الجنّ ، فصار النسل منهم بتزويج بنات العمّ من أبناء العمّ ، لا من تزويج بناته من بنيه ، كما عن العامّة ؛ لجريان القلم على تحريم الأخوات على الإخوة في جميع الشرائع ، فبثّ رجالا كثيرا ونساء ، فما كان من حلم فمن آدم ، وما كان من جمال فمن الحور ، وما كان من قبح أو سوء الخلق فمن الجنّ (١).
ولا يخفى أنّ ذلك أيضا يدلّ على أنّ إيجاد الخلق معلّل بالغرض العائد إلى الخلق ؛ لحصول (٢) الرئاسة للنبيّ وإطاعتنا له ، وتحقّق الجسم للإنسان ونحو ذلك ممّا لا يخفى على المتأمّل.
وبالجملة ، فالعقل والنقل متطابقان على أنّ أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض والفوائد العائدة إلى العباد ، ولكن لمّا كان ذلك منافيا لما ذهب إليه الأشاعرة (٣) ـ من أنّه تعالى مريد لكلّ ما هو كائن حسنا كان أم قبيحا ، فعلا كان أم تركا ؛ لعدم (٤) الفائدة
__________________
(١) « تفسير علي بن إبراهيم » ١ : ٣٦ ـ ٤٢ ؛ « بحار الأنوار » ٤ : ٢٥ وما بعدها ؛ و ١١ : ٩٩ ـ ٢٤٦ و ١٥ : ٣ ـ ٣٨.
(٢) كذا في النسخ. ولا يعلم لقوله : « لحصول ـ إلى قوله ـ المتأمّل » معنى محصّل.
(٣) « المحصّل » : ٤٧٢ ـ ٤٧٣ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٧٣ ـ ١٧٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٧٤ ـ ٢٨١.
(٤) تعليل للمنافاة.