والثاني : مذهب المعتزلة ، وهو القول بالتفويض.
والثالث : مذهب الإماميّة ، وهو نفي الجبر والتفويض ، والقول بالأمر بين الأمرين ، وهذا أيضا مذهب الحكماء على ما حكي عنهم.
فالأشاعرة يقولون : إنّ فعل العبد ليس باختياره ، بل هو مخلوق لله وحاصل من إرادته بلا واسطة إرادة العبد ، بل إرادة العبد مقارنة للفعل من غير أن يكون لها مدخليّة في صدوره ، وتلك المقارنة تسمّى كسبا عندهم ، ويفرّقون بين الاختياريّ والاضطراريّ ـ كحركة المرتعش ـ بمجرّد المقارنة في الأوّل دون الثاني ، فعلى هذا يكون العبد مجبورا في أفعاله عندهم ؛ تمسّكا بظاهر قوله تعالى : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (١) ونحو ذلك.
وفساد هذا المذهب في غاية الظهور ؛ لاستلزامه كون التكليف عبثا ، بل قبيحا ، وبطلان الثواب والعقاب ، بل قبح العقاب سيّما عذابه الذي يقول في وصفه في كلامه : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (٢) إلى غير ذلك من الآيات والأخبار ، بل لو كان له شركة ما ، لكان ذلك قبيحا أيضا ؛ لكون ذلك ظلما وهو تعالى لا يظلم أحدا مثقال ذرّة كما نطقت به الآيات والأخبار ، وانعقد عليه الإجماع ، وكون الزاني واللائط والسارق والمفسد والمكذّب للرسل وقاتل الأنبياء والأوصياء والأولياء وغير ذلك من الفواحش والقبائح هو الله ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فينسدّ إثبات باب النبوّة والشرع.
فإن قلت : استحالة صدور ما ذكر عنه تعالى بلا واسطة مسلّمة ، وبواسطة الآلة ممنوعة.
قلت : منشأ الاستحالة إن كان هو القبح العقليّ فهو عامّ مع أنّهم لا يقولون به ، وإن
__________________
(١) الصافّات (٣٧) : ٩٦.
(٢) النساء (٤) : ٥٦.