أحسن حمد الله ، وإذا أساء استغفر الله ، فهو مسلم بالغ » (١).
وما دلّ على كون المعاصي من العباد غير قادح فيما ذكرنا ، كما لا يخفى ؛ لكون المشيئة التكوينيّة منهم من غير المشيئة التكليفيّة من الله تعالى ، كما في الخيرات.
ويشهد على مدخليّة المشيئة من الله ومن العبد ـ مضافا إلى ما ذكر ، وقوله تعالى : ( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) (٢) وقوله عليهالسلام : « لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين » (٣) ـ نحو قوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (٤) أيضا على وجه ؛ إذ يستفاد منه أنّ المشيئة التكوينيّة من العبد بالنسبة إلى الفعل الاختياريّ مقترنة بالمشيئة التكوينيّة من الله باعتبار إعطاء الأسباب وإبقائها كالحياة والقدرة والجوارح وإن لم تقترن بالمشيئة التكليفيّة عن الله في الشرور كالخيرات.
اعلم : أنّ التفويض قد يطلق على معان أخر :
منها : تفويض الخلق والرزق إلى الأئمّة من جهة اعتقاد كمالهم ورفعتهم وملاحظة صدور خوارق العادات عنهم ، إلى غير ذلك.
وهو فاسد ؛ لما لا يخفى.
ومنها : تفويض تقسيم الأرزاق.
ومنها : تفويض الأحكام والأفعال إليه بأن يثبت ما رآه حسنا ، ويردّ ما رآه قبيحا ، فيخيّر إليه إثباته وردّه مثل إطعام [ الجدّ ] السدس (٥) ، وإضافة الركعتين في الرباعيّة ، والواحدة في المغرب ، والنوافل أربعا وثلاثين سنّة ، وتحريم كلّ مسكر عند تحريم الخمر ونحو ذلك. وظاهره مناف لظاهر ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (٦) إلاّ أن يقال : إنّ
__________________
(١) « التوحيد » : ٣٦٠ باب نفي الجبر والتفويض ، ح ٥.
(٢) البقرة (٢) : ٢٥٦.
(٣) مرّ تخريجه في ص ٤١٩ ، التعليقة ٢.
(٤) الإنسان (٧٦) : ٣٠ ؛ التكوير (٨١) : ٢٩.
(٥) في مسألة إرث الأجداد مع وجود الأبوين. راجع « الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية » ٨ : ١٢٢.
(٦) النجم (٥٣) : ٣.