الوحي تابع لإرادته كما يظهر من قوله : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ) (١).
ومنها : تفويض الإرادة بأن يريد شيئا لحسنه ، ولا يريد شيئا لقبحه كإرادة تغيير القبلة فأوحى الله بما أراد.
ومنها : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق وإن كان الحكم الأصلي خلافه ، كما في صورة التقيّة.
ومنها : تفويض أمر الخلق ، بمعنى أنّه أوجب عليهم طاعته في كلّ ما يأمر وينهى سواء علم وجه الصحّة أم لا ، بل ولو كان بحسب ظاهر النظر عدم الصحّة ، فيكون الواجب عليهم القبول على وجه التسليم ؛ والمراد في هذا الفنّ هو المعنى الأوّل (٢).
ثمّ اعلم أنّه لا شبهة في وقوع الشرور في عالم الكون والفساد ، وتلك الشرور ممكنة ، فلا بدّ لها من استنادها إلى الواجب بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط ؛ دفعا للتسلسل أو الدور ، فيلزم صدور الشرّ من الواجب وهو ممتنع ، ولهذا قال الثنويّة بوجود إلهين واجبي الوجود : أحدهما فاعل الخير وهو « يزدان ». وثانيهما فاعل الشرّ وهو « أهرمن » (٣).
والجواب : أنّ الأفعال بحسب الاحتمال العقليّ على خمسة أقسام : الخير المحض ، والخير الغالب ، والخير المساوي ، والشرّ الغالب ، والشرّ المحض ؛ وصدور الأخيرين عن الواجب محال ، كما لا يخفى. وكذا الثالث ؛ للزوم العبث بعد ملاحظة تعارض الحسن والقبح وتساقطهما ، فبقي الأوّلان ، فكلّ فعل صادر عن الواجب إمّا خير محض كإيجاد العقول ، أو خير غالب كإيجاد الإنسان.
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٤٤.
(٢) انظر تفصيل أقسام التفويض في « الفوائد الرجاليّة » للوحيد البهبهاني : ٤٠.
(٣) للتعرّف على أقوال الثنويّة والمجوس راجع « الملل والنحل » ١ : ٢٣٢ و ٢٤٤ ؛ « المحصّل » : ٤١٧ ـ ٤١٨ ؛ « نقد المحصّل » : ٣٠٠ ؛ « كشف المراد » : ٢٨٣ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٦٢ ـ ٦٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٠٢.