وكذا القدر ، كما في قوله تعالى : ( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (١) أي أعلمنا بذلك وكتبنا في اللوح المحفوظ. وهذا المعنى يصحّ في جميع الحوادث.
وحاصله علم الواجب بجميع الموجودات الكلّيّة والجزئيّة ، كما يقال : إنّ القضاء علم إجماليّ كلّيّ ، والقدر علم تفصيليّ جزئيّ ، وعلمه تعالى لا يستلزم عدم الاختيار في العبد ؛ لما مرّ من أنّ العلم ليس علّة ، بل هو تابع للمعلوم بالمعنى المذكور.
وحاصله : أنّ الله تعالى أوجد العباد على وجه الاعتدال بكونهم قادرين على الفعل والترك من غير جبر وتفويض في الأمور ، بل الأمر بين الأمرين ، يدلّ على ذلك :
أوّلا : العقل ، من جهة استلزام الجبر كونه تعالى ظالما في تعذيب من يحمله على المعاصي كالقتل والزنى والشرك وغير ذلك ، واستلزام التفويض ـ مضافا إلى وهن السلطنة ـ صيرورة الممكن واجبا بالنسبة إلى الوجود بعد الوجود ، الذي يكون البقاء عبارة عنه ، وهو محال ؛ من جهة استحالة انقلاب الماهيّة ، وامتناع تعدّد الواجب ، وكون الامتياز هو الإمكان الذي هو علّة الافتقار ، فيكون العبد فاعلا للفعل بالمباشرة والعلّيّة القريبة ، ولكن بواسطة إقدار الله وإبقائه ونحو ذلك ، فلا يكون مخلوقا لله ، ولا مفوّضا إلى العبد ، بل يكون الأمر بين الأمرين ، بمعنى أنّ المجموع ـ المركّب من فعل الله التكوينيّ بإيجاد العبد وإحيائه وإعطائه الأسباب كالقدرة ونحوها وإبقائها ، ومن فعل العبد بالمباشرة ونحوها من باب الجعل للمصلحة ـ علّة لحصول الفعل الاختياريّ للعبد وإن كانت الإرادة التكليفيّة على خلاف الإرادة التكوينيّة ، فالتركيب اعتباريّ في مقام الفعل ، لا في مقام الذات حتّى يلزم نحو الوحدة أو الاتّحاد.
__________________
(١) النمل (٢٧) : ٥٧.