اختيار أمره ونهيه (١) ، وهو المشهور من المفوّضة.
وفي هذا المقام يرد على الأشاعرة القائلين بالجبر والمعتزلة القائلين بالتفويض وأمثالهم. وبالجملة فإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف رحمهالله مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا ).
اختلفوا في أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرتهم ، أم هي واقعة بقدرة الله تعالى؟ مع الاتّفاق على أنّها أفعالهم لا أفعاله ؛ إذ القائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك هو الإنسان ـ مثلا ـ وإن كان الفعل مخلوقا لله تعالى ؛ فإنّ الفعل إنّما يستند إلى من قام به ، لا إلى من أوجده.
فذهب الشيخ الأشعريّ إلى أن ليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى إبداعا وإحداثا ، ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك تأثير منه أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاّ له (٢).
وذهب الحكماء والمعتزلة إلى أنّها واقعة بقدرتهم على سبيل الاستقلال بلا إيجاب ، بل باختيار (٣).
واختار المصنّف هذا المذهب وادّعى فيه الضرورة ؛ فإنّ كلّ أحد يجد من نفسه التفرقة بين حركتي المختار والمرتعش ، والصاعد باختياره إلى المنارة والهاوي منها ، ويعلم أنّ الأوّلين مستندان إلى قدرته واختياره ، وأنّه لولاهما لم يصدر عنه
__________________
(١) « تحف العقول » : ٤٦٣ ؛ « الاحتجاج » ٢ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، احتجاجات الإمام علي بن محمد الهادي عليهماالسلام ، ح ٣٢٨.
(٢) « المحصّل » : ٤٥٥ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٢٠ ؛ « المطالب العالية » ٩ : ٩ ؛ « قواعد المرام » : ١٠٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٦٣ ؛ « النافع ليوم الحشر » : ٢٧ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٤٥ ـ ١٤٦ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٢٣.
(٣) « شرح الأصول الخمسة » : ٣٢٣ وما بعدها ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ١٠١ ؛ « المطالب العالية » ٩ : ١٢ ؛ « قواعد العقائد » ضمن « نقد المحصّل » : ٤٥٢ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٦٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٢٤.