شيء منهما بخلاف الآخرين (١) ؛ إذ لا مدخل في شيء منهما لقدرته واختياره.
والأشاعرة أجابوا بأنّ الفرق بين الأفعال الاختياريّة وغير الاختياريّة ضروريّ ، لكنّه عائد إلى وجود القدرة والاختيار في الأولى وعدمهما في الثانية ، لا إلى تأثيرهما في الأولى وعدمه في الثانية ؛ إذ لا يلزم من دوران الشيء كالفعل الاختياريّ مع غيره ، كالقدرة والاختيار وجودا وعدما كون المدار علّة للدائر ، ولا من العلّيّة ـ إنّ سلّم ثبوتها ـ الاستقلال بها ؛ لجواز أن يكون المدار جزءا أخيرا من العلّة المستقلّة (٢).
وتمسّك الأشاعرة بوجوه (٣) أشار المصنّف إلى الجواب عنها :
منها : أنّ العبد لو كان موجدا لفعله بقدرته واختياره ، لتمكّن من فعله وتركه ؛ إذ القادر ما يصحّ منه الفعل والترك ، ولتوقّف ترجيح فعله على تركه على مرجّح.
أمّا على مذهب المعتزلة القائلين بوجوب المرجّح في الفعل الاختياريّ ، فظاهر.
وأمّا على مذهب غيرهم ، فإذن لا بدّ من الإرادة الحادثة ، وذلك المرجّح لا يكون صادرا عنه باختياره ، وإلاّ لزم التسلسل ؛ لأنّا ننقل الكلام إلى صدور ذلك المرجّح عنه ، ويكون الفعل عند ذلك المرجّح واجب الصدور عنه بحيث يمتنع تخلّفه عنه ؛ لأنّه إذا لم يجب الفعل حينئذ جاز أن يوجد معه الفعل تارة ويعدم أخرى ، فتخصيص أحد الوقتين بالوجود يحتاج إلى مرجّح آخر ولا يتسلسل ، بل ينتهي إلى مرجّح يجب معه صدور الفعل عنه ، وإذا كان الفعل مع المرجّح ـ الذي لا يكون صادرا عنه باختياره ـ واجب الصدور عنه ، فيكون ذلك الفعل اضطراريّا لازما ، لا اختياريّا.
__________________
(١) في « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : « الأخيرين ».
(٢) « شرح المواقف » ٨ : ١٥٢ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٤٨ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٤١.
(٣) « المحصّل » : ٤٥٦ ـ ٤٥٨ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٢١ ـ ٣٢٧ ؛ « المطالب العالية » ٩ : ٢١ ؛ « قواعد المرام » : ١٠٨ ـ ١٠٩ ؛ « مناهج اليقين » : ٣٤٠ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٤٨ ـ ١٥٢ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٢٧ ـ ٢٣٧ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٦٥ ـ ٢٦٩.