فهذا الفرق إنّما يفيد افتراق الصورتين في الاستقلال وعدمه ، وذلك لا يهمّنا ؛ لأنّه لا يفيد افتراقهما في الاضطرار وعدمه ، وهذا هو المطلوب ؛ لأنّ الناقض يدّعي لزوم كون البارئ تعالى مضطرّا في فعله لا مختارا.
على أنّ قوله : وجب أن لا يكون ذلك المرجّح منه ، وإلاّ لكان حادثا محتاجا إلى مرجّح آخر ، ممنوع ، وإنّما يلزم الاحتياج إلى المرجّح الآخر أن لو كان صادرا عنه باختياره ، أمّا إذا كان صادرا عنه لا باختياره ، فاللزوم ممنوع ، فيبطل ما ذكره من الفرق بين الصورتين بالاستقلال وعدمه أيضا.
ومنها : أنّ العبد لو كان موجدا لأفعاله ، لكان عالما بتفاصيلها ؛ إذ الإيجاد لا يتصوّر بدون العلم بالموجد ، ولهذا صحّ الاستدلال بفاعليّة الفاعل (١) على عالميّة الفاعل ، والتالي باطل ؛ لأنّ النائم يصدر عنه أفعال اختياريّة لا شعور له بتفاصيلها كمّيّاتها وكيفيّاتها ، والماشي ـ إنسانا كان أو غيره ـ تقطع مسافة معيّنة من غير شعور له بتفاصيل الأجزاء التي بين المبدأ والمنتهى ، والناطق يأتي بحروف مخصوصة على نظم مخصوص من غير شعور بالأعضاء التي هي مخارجها ، ولا بالهيئات ، ولا بالأوضاع التي تكون لتلك الأعضاء عند الإتيان بتلك الحروف ، والكاتب يصوّر الحروف والكلمات بتحريك الأنامل من غير شعور له بما للأنامل من الأعضاء والأجزاء ، أعني العظام والغضاريف والأعصاب والعضلات والرباطات ، ولا بتفاصيل حركاتها وأوضاعها التي تأتي بها تلك الصور والنقوش.
وأشار إلى الجواب عنه بقوله : ( والإيجاد لا يستلزم العلم إلاّ مع اقتران القصد ، فيكفي الإجماليّ ).
يعني لا نسلّم أنّ الإيجاد لا يتصوّر بدون العلم بالموجد ، والمثبتون لعلمه تعالى لا يستدلّون عليه بالإيجاد ، بل بإتقان الفعل وإحكامه.
__________________
(١) في هامش « ب » : « بفاعلية العالم ».