يعني أنّ الدلائل السمعيّة ـ التي تمسّك الأشاعرة بها وجعلوها أنواعا باعتبار خصوصيّات ـ يكون لبعض منها دون البعض مثل (١) الورود بلفظ الخلق لكلّ شيء ، أو لعمل العبد خاصّة ، أو بلفظ « الجعل » ، أو « الفعل » ، أو بغير ذلك.
فمن الوارد بلفظ الخلق لكلّ شيء صريحا قوله تعالى : ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) (٢) تمدّحا واستحقاقا للعبادة ، فلا يصحّ الحمل على أنّه خالق لبعض الأشياء كأفعال نفسه ؛ لأنّ كلّ حيوان عند المخالفين كذلك ، بل يحمل على العموم ، وتدخل فيه أعمال العبد.
وكذلك قوله تعالى : ( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (٣) وقوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) (٤) وبدلالة (٥) الحصر قوله : ( هُوَ اللهُ الْخالِقُ ) (٦) والحصر فيه ظاهر إذا كان هو ضمير الشأن أو ضمير إبهام يفسّره الله.
وأمّا إذا كان الخالق صفة ، فذكر الإمام أنّه لمّا كان الله علما والعلم لا يدلّ إلاّ على الذات المخصوصة بمنزلة الإشارة ، لم يجز أن يكون الحكم عائدا إليه ؛ إذ لا معنى لقولنا : إنّ هذا المعيّن ليس إلاّ هذا المعيّن ، ويلزم أن يكون عائدا إلى الوصف على معنى أنّه الخالق لا غير (٧).
ولعمل العبد خاصّة قوله تعالى : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٨). ومن هذا القبيل قوله تعالى : ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ
__________________
(١) قوله : « مثل الورود » اسم لقوله : « يكون ».
(٢) الأنعام (٦) : ١٠٢.
(٣) الرعد (١٣) : ١٦.
(٤) القمر (٥٤) : ٤٩.
(٥) عطف على قوله : « صريحا » أي بالمنطوق.
(٦) الحشر (٥٩) : ٢٤.
(٧) « شرح تجريد العقائد » : ٣٤٦.
(٨) الصافّات (٣٧) : ٩٩.