وأمّا على رأي الإمام فالجواب ظاهر ، وهو أنّ فعل العبد بمشيئته ومشيئته بمشيئة الله ، كقوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١).
ومنها : الآيات الواردة في الأمر والنهي ، والمدح والذمّ ، والوعد والوعيد ، وقصص الماضين للإنذار والاعتبار.
وأجيب بما سيأتي من أنّ هذه كلّها باعتبار الكسب الصادر من العبد.
ومنها : الآيات الدالّة على إسناد الأفعال إلى العباد إسناد الفعل إلى فاعله ، وهي أكثر من أن تحصى ، ولنبدأ من قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (٢) إلى قوله : ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) (٣).
وقد عرفت في تحرير محلّ النزاع أنّ هذا ليس من المتنازع في شيء ، والنصوص إذا تعارضت لم تقبل شهادتها خصوصا في المسائل اليقينيّة ، ووجب الرجوع إلى غيرها من الدلائل العقليّة القطعيّة.
( والترجيح معنا ) ؛ لأنّ الشواهد القطعيّة العقليّة على وفق مدّعانا كثيرة :
منها : أنّه لو لا استقلال العبد لبطل المدح والذمّ ، والأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، وفوائد الوعد والوعيد ، وإرسال الرسل وإنزال الكتب ، والفرق بين الكفر والإيمان ، والإساءة والإحسان ، وفعل النبيّ والشيطان ، وكلمات التسبيح والهذيان وكذا بين ما يقع باختيار العبد على وفق إرادته و [ ما يقع لا باختياره وعلى وفق ] (٤) إرادة غيره مع أنّ التفرقة مدركة بالوجدان ؛ لأنّ الكلّ بخلق (٥) الله تعالى من غير تأثير للعبد فيه.
وأجيب بأنّه إنّما يرد على المجبّرة النافين لقدرة العبد واختياره ، لا على من يجعل فعله متعلّقا بقدرته وإرادته ، واقعا بكسبه وعقيب عزمه وإن كان بخلق الله تعالى ،
__________________
(١) الإنسان (٧٦) : ٣٠ ؛ التكوير (٨١) : ٢٩.
(٢) البقرة (٢) : ٣.
(٣) الناس (١١٤) : ٥ ـ ٦.
(٤) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(٥) في هامش المصدر : « بفعل الله ».