بيانه : أنّ التكليف فعل من الله تعالى ، ولا بدّ له من الغرض ، والغرض منه ليس إلاّ امتثال الأمر ، ـ الذي هو عبارة عن الطاعة ـ والانتهاء عن النواهي ، الذي هو عبارة عن ترك المعاصي ، فلا بدّ من التقريب إلى الطاعات والتبعيد عن المعاصي بالبيان ؛ ليتمّ الغرض منه ، ولا يلزم القبيح.
والحاصل : أنّ ترك اللطف نقض للغرض ، وهو قبيح ، واللطف واجب ، فإن كان ممّا لا يصدر إلاّ عن الله وجب عليه إيجاده ؛ وإن كان ممّا يمكن صدوره عن المكلّف وجب عليه إعلامه وإيجابه عليه إن كان متعلّقه غير قابل للبيان من الله بلا واسطة ، وإن كان من غيرهما فلا بدّ من العلم بوجوده منه في حسن التكليف ؛ لئلاّ يلزم نقض الغرض ، القبيح ، كما مرّ.
اعلم أنّ المصلحة ـ التي هي عبارة عمّا فيه منفعة من غير ترتّب مفسدة مانعة ، ولا يخلو فعل الله تعالى عنها كما مرّ ـ على قسمين :
إحداهما : ما يكون بالنسبة إلى جميع الموجودات وهو نظام الكلّ.
وأخراهما : مصلحة خاصّة بكلّ موجود. وعند التعارض يقدّم الأولى.
وقد اختلف في أنّ كلاّ منهما هل يجب أن يكون على وجه هو أتمّ الوجوه الممكنة ـ وهو الأصلح ـ أم لا؟.
والأوّل محكيّ عن الجمهور القائلين بالحسن والقبح العقليّين (١). والثاني عن منكريهما (٢).
والحقّ هو الأوّل ؛ لوجود الداعي ـ وهو ذات الواجب الفيّاض ؛ إذ الفيض الزائد فيض غير ما يقابل الناقض (٣) ـ ورفع المانع ؛ لأنّه المفروض ، وبلزوم (٤) ترجيح
__________________
(١) « شرح الأصول الخمسة » : ٥٠٧ ـ ٥٢٥ ؛ « كشف المراد » : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٦١ ـ ٢٦٢.
(٢) « المحصّل » : ٤٨١ ـ ٤٨٣ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٣٢٩ ـ ٣٣٤.
(٣) كذا في النسخ.
(٤) كذا ، والأصحّ : « وللزوم ».