وأيضا يستلزم بطلان فائدة الدعاء والسؤال ، وعدم قدرته تعالى على دفع البليّات وإنجاح الحاجات ؛ إذ كلّ ما فعله فهو الأصلح الذي يكون واجبا ، ولا يمكن تغيّر الواجب.
قلت أوّلا : إنّ الوجوب هنا ليس بمعنى الاضطرار وعدم الاختبار حتّى ينافي استحقاق الشكر ، الذي هو على الفعل الاختياريّ ، ويستلزم عدم القدرة.
وثانيا : إنّ أصل الوجود غير واجب ؛ لعدم قبح ترك المقدور وإن كان فعل الأصلح ـ على تقدير اختيار الفعل على الترك ـ واجبا ؛ لقبح ترك الأحسن على تقدير الفعل مع القدرة على الأحسن.
لا يقال : أصل الوجود أيضا مبنيّ على الأصلح ، فيكون واجبا.
لأنّا نقول : تحقّق الأصلح موقوف على تحقّق ما له الأصلح وهو قبل الوجود غير متحقّق فبعد تحقّق إرادة الإيجاد وحصول نفسه يتصوّر الأصلح.
وأمّا الدعاء والسؤال ، فهما من الأسباب المقتضية للمصلحة في الأمور المعلّقيّة (١) لا الحتميّة ، فقد يكون المسئول عنه أصلح بسبب الدعاء ، فيصير واجبا حينئذ على الله تعالى.
والحاصل أوّلا : أنّ أفعال الله مترتّبة على اللطف المقرّب إلى الطاعات ، المبعّد عن المعاصي المتمّم للغرض الذي لا يصحّ أن يكون فعل الله تعالى خاليا عنه.
يدلّ على ذلك أوّلا العقل ؛ لأنّ اللطف متمّم للغرض اللازم ، فهو لازم وتركه نقص وقبيح.
وثانيا : النقل ، كما قال : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٢) وقال : ( وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) (٣) وقال تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ
__________________
(١) كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : « المعلّقة ».
(٢) هود (١١) : ٧ ؛ الملك (٦٧) : ٢.
(٣) النور (٢٤) : ١٠.