ومجانبة السرقة إيجابا للعفّة ، وترك الزنى تحقيقا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف ، والأمانة نظاما للأمّة ، والطاعة تعظيما للسلطان » (١) إلى غير ذلك من الأدلّة. وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف رحمهالله مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( واللطف واجب لتحصّل الغرض به ) (٢).
« اللطف ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية بحيث لا يؤدّي إلى الإلجاء ، وهو واجب عند المعتزلة ، واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّ اللطف به يحصل غرض المكلّف ، فيكون واجبا ، وإلاّ وجب نقض الغرض.
بيان الملازمة : أنّ المكلّف إذا علم أنّ المكلّف لا يطيع إلاّ باللطف ، فلو كلّفه من دونه ، لكان ناقضا لغرضه ، كمن دعا غيره إلى طعامه وهو يعلم أنّه لا يجيبه إلاّ أن يستعمل معه نوعا من التأدّب ، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدّب ، كان ناقضا لغرضه (٣).
( وإن كان اللطف من فعله تعالى ، وجب عليه تعالى ، وإن كان من المكلّف ، وجب عليه تعالى أن يشعره به ويوجبه ، وإن كان من غيرهما ، شرط في التكليف بالملطوف فيه العلم بالفعل. ووجوه القبح منتفية ، والكافر لا يخلو من لطف ، والإخبار بالسعادة والشقاوة ليس مفسدة ) أشار إلى الأجوبة عن اعتراضات الأشاعرة على وجوب اللطف على الله تعالى.
تقرير الأوّل منها : أنّ اللطف إنّما يجب إذا خلا عن جهات القبح ؛ لأنّ جهة المصلحة لا تكفي في الوجوب ما لم تنتف جهات المفسدة ، فلم لا يجوز أن يكون اللطف الذي يوجبونه مشتملا على جهة قبح لا يعلمونه ، فلا يكون واجبا؟
__________________
(١) « نهج البلاغة » : ٧٠٣ ـ ٧٠٤ ، قصار الحكم ، الرقم ٢٥٢.
(٢) في « كشف المراد » و « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : « ليحصل الغرض به ».
(٣) في « كشف المراد » و « شرح تجريد العقائد » : « فإن كان ».