وإن كانت الأيّام والليالي في العدد سواء ، كانا بمجموعهما أكثر عددا من إحداهما بانفراده ، وهذا يشهد بتناهيهما ؛ إذ لو كان كلّ واحد منهما في نفسه غير متناه ، ما تصوّرت العقول عددا أكثر منه ، وقد علمنا أنّ الأيّام مع الليالي أكثر عددا من أحدهما ، وهذا موضح عن تناهيهما.
وبهذا الدليل نعلم أيضا تناهي جميع ما مضى من الحركات والسكنات ، ومن الاجتماعات والافتراقات ، ومن الطيور والبيض والشجر والحبّ ، وما يجري مجرى ذلك (١). انتهى.
ثمّ اعلم : أنّه يمكن إبطال ما ادّعوه ـ من التسلسل في الأمور المتعاقبة ، بل في غير المترتّبة أيضا ـ بوجوه أخرى نذكر بعضها :
الأوّل : أنّهم قالوا بالحوادث غير المتناهية التي كلّ سابق منها علّة معدّة للاّحق على سبيل الاستغراق ، وأنّ إيجاد الواجب تعالى لكلّ منها مشروط بالسابق تحقيقا للإعداد ، وتصحيحا لارتباط الحادث بالقديم ، وأنّه تعالى ليس بموجب تامّ لواحد منها.
إذا تقرّر هذا ، فنقول : لو تسلسلت المعدّات ـ على ما ذهبوا إليه ـ لا إلى نهاية لزم أن يكون وجوب كلّ واحد منها وجوبا شرطيّا ، بمعنى أنّه يجب كلّ منها بشرط وجوب سابقه ، ولا ينتهي إلى الوجوب القطعي البتّة الذي يكون تعالى [ موجبا له لذاته بدون شرط ؛ لأنّه عندهم أنّه تعالى ليس بموجب تامّ لكل واحد من المعدّات بل الحوادث مطلقا وتأثيره تعالى ] (٢) في كلّ منها موقوف على تأثيره في معدّ سابق عليه لا إلى نهاية ، فوجوب كلّ منها وجوب شرطي لا يجب حتّى يجب سابقه ، والوجوب الشرطي غير كاف لتحقّق واحد منهما (٣) ؛ فإنّه بمنزلة قضايا شرطيّة
__________________
(١) « كنز الفوائد » ١ : ٣٦.
(٢) الزيادة أضفناها من المصدر.
(٣) أي من اللاحق والسابق.