وكيف كان ، فالحقّ أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ أيضا بشهادة النقل ، بل والعقل ، وأنّ ماهيّة الممكنات موجودة حقيقة بوجود أفرادها ، بمعنى أنّهما ـ كليهما ـ موجودان بوجود واحد ، وليس الماهيّة اعتباريّة محضة ، وإلاّ يلزم جواز صدق الحماريّة على أفراد الإنسان وبالعكس.
ويشهد على ذلك العقل مضافا إلى ظاهر النقل ، كقوله تعالى : ( خُلِقَ الْإِنْسانُ ) (١) ونحوه ، فيكون الجعل مركّبا ، بمعنى أنّ الماهيّة أيضا مجعولة كالوجود بجعل واحد ، وأنّه تعالى جعل الماهيّة ماهيّة كما جعلها موجودة ، فهما مجعولان بجعل واحد ، كما أنّ الماهيّة والأفراد موجودتان بوجود واحد كالهيولى والصورة ونحوهما ، وليس في ذلك شبهة لمن جعل مرجعه العقل والنقل ، وأعرض عن جنود الجهل ، فلنرجع عنان الكلام إلى بيان أصل المرام ، فنقول :
[ في أنّه تعالى صاحب الصفات ]
إنّ العلماء اختلفوا في أنّ صانع العالم ـ الذي هو الواجب الوجود بالذات ـ صاحب الصفات ، أو نائب الصفات على قولين :
الأوّل : أنّه تعالى صاحب الصفات. وهو المشهور (٢) المنصور.
الثاني : أنّه تعالى نائب الصفات ، بمعنى أنّ ذاته تعالى يصدر منها أثر القدرة من غير قدرة ، وأثر العلم من غير علم ، وهكذا سائر الصفات ، كما أنّ التيمّم يحصل منه أثر الوضوء أو الغسل من استباحة الدخول في نحو الصلاة من غير طهارة وارتفاع
__________________
(١) النساء (٤) : ٢٨ ؛ النحل (١٦) : ٤ ؛ الأنبياء (٢١) : ٣٧ ؛ الرحمن (٥٥) : ٣ و ١٤.
(٢) انظر : « الشفاء » الإلهيّات : ٣٤٣ ـ ٣٤٩ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ١٩ ـ ٢١ ؛ « التعليقات » : ٦ ـ ٦٧ ؛ « التحصيل » : ٥٦٠ ـ ٥٨١ ؛ « التلويحات » ضمن « مصنفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٩ ـ ٤١ ؛ « التوحيد » للنيسابوريّ : ٤٥٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٨٠ ـ ١٨٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٥ ـ ٤٩.