حينئذ معنى قوله : « والواسطة غير معقولة » أنّ الواسطة بين الواجب والحادث ـ بمعنى أنّه لا يمكن استناد الحادث إليه ـ غير معقولة ؛ لكونه منه ولو بالإمكان وذلك كاف ، أو نقول بأنّه قد يكون موجبا بالنسبة إلى غير الحادث ، مختارا بالنسبة إليه ، وهو واسطة بين قول الحكيم والمتكلّم ، فهي أيضا غير معقولة ؛ لأنّه إمّا قادر أو موجب.
ثمّ إنّه يتراءى من قوله : « ولمّا لم يثبت عند المصنّف » (١) أنّه يعترض على المصنّف بالتنافي والتناقض ؛ حيث قال : لا دليل على امتناع العقل (٢) ، مع أنّه قال : لا قديم سوى الله ، وأنّ جميع ما سوى الله حادث (٣).
وهو بريء عن ذلك ؛ فإنّ مجرّد تجويز العقل من حيث هو هو لا يدلّ على عدم امتناعه والدليل عليه على تقدير قدمه ، وهو ظاهر وإن قال القائل بوجود العقل بقدمه وأنّ الحادث إنّما يكون ماله مادّة ومدّة على ما ذكر في شرح المواقف وغيره (٤) ، ولم يلزم قول المصنّف (٥) بذلك ، وهو ظاهر.
ثمّ اعلم أنّ الدليل المذكور منقوض ـ خصوصا على ما ذكره في المواقف (٦) ـ بكونه مختارا فينفيه أيضا ؛ لأنّه ينقل الكلام إلى الإرادة ، فيلزم التسلسل ، أو استغناء الحادث عن المؤثّر والترجيح بلا مرجّح ، أو نفي الحادث ؛ فإنّ الإرادة بمنزلة شرط حادث. وهذا من أعظم أدلّتهم وأقواها على الإيجاب.
قال في المواقف : « احتجّ الحكماء ـ ( أي على إيجابه تعالى ) ـ بوجوه كثيرة :
__________________
(١) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.
(٢) قال المحقّق نصير الدين : « أمّا العقل فلم يثبت دليل على امتناعه ، وأدلّة وجوده مدخولة ». انظر : « تجريد الاعتقاد » : ١٥٥.
(٣) « تجريد الاعتقاد » : ١٢٠. وفيه : « ولا قديم سوى الله ».
(٤) « شرح المواقف » ٤ : ٥ ـ ٦ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ١٤.
(٥) قال في « تجريد الاعتقاد » : ١٢٠ : « ولا يفتقر الحادث إلى المدّة والمادّة وإلاّ لزم التسلسل ».
(٦) « المواقف » ضمن « شرح المواقف » ٨ : ٥٣.