فمعنى قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » أنّ الواسطة في إيجاد العالم الجسمانيّ ممّا ينفيه البرهان العقلي الدالّ على أنّ إيجاد الجواهر والأعراض المفارقة لذات الموجد ممّا هو مختصّ بالمبدإ الأوّل تعالى ، وهذا لا ينافي كون حركات العباد صادرة عنها » (١). انتهى.
وقال الفاضل اللاهيجيّ : « يعني أنّ حدوث العالم ـ بمعنى جميع ما سوى الله ـ وإن لم يكن ثابتا بالدليل العقليّ ، بل الثابت بالدليل إنّما هو حدوث عالم الأجسام فقط ، لكنّه ثابت بالإجماع والحديث اللّذين هما المعتمدان فيما لا سبيل للعقل إليه ، فالواسطة ـ أي كون بعض ما سوى الله قديما وواسطة في الإيجاد بين الله وبين سائر ما سواه ـ غير معقولة أي غير ثابتة بالدليل العقليّ ، وما لا يكون ثابتا بالدليل العقليّ إذا كان مخالفا للإجماع والحديث ، فهو باطل ، ولا يلتفت إلى تجويز الباطل عاقل.
وقد يقال (٢) : إثبات حدوث العالم بالإجماع والحديث يستلزم الدور ؛ لتوقّف حجّيّتهما على إثبات النبوّة ، المتوقّف على قدرة الواجب تعالى ، وإلاّ لجاز أن لا يقدر على عدم إظهار المعجزة على يد الكاذب.
وقد يجاب (٣) بأنّ إثبات النبوّة لا يتوقّف على القدرة بمعنى وقوع الفعل والترك ،
__________________
(١) « حاشية الخفري على إلهيّات شرح القوشجي » الورقة ٥ ، مخطوط.
(٢) انظر : « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » للخوانساريّ : ١٤٨.
(٣) قوله : « وقد يجاب ... ». أقول : قال الفاضل الجيلاني المدعوّ بـ « ملاّ شمسا » واسمه محمد في حاشيته على إلهيّات التجريد وشرحه وحاشية الخفري : « والحقّ أن يقال : إنّ إثبات النبوّة موقوف على وجود القدرة والاختيار ، لا على العلم بوجود القدرة والاختيار ؛ لأنّا نعلم بديهة أنّ إظهار المعجزة على يد الكاذب قبيح عقلا بحسب تنزيهه تعالى عنه ، وهذا القدر كاف في إثبات النبوّة ، وبعد إثبات النبوّة يثبت صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله ؛ إذ إثبات صدقه يثبت في كلّ ما أخبر به ، ومنه حدوث العالم ، فيجوز أن يكون إثبات النبوّة موقوفا على إثبات القدرة ، فقد حصل اختلاف الجهة ، فلم يلزم الدور » انتهى.
وفيه أنّ إثبات النبوّة للمعتقد موقوف على العلم بالقدرة الواقعية ؛ للعلم بأنّ إظهار المعجزة اختياري ، بل يتوقّف العلم به على العلم بالقدرة ؛ لما لا يخفى ، فلم تختلف الجهة. ( منه رحمهالله ).