ومنها : أنّ حاصل الكلام هو أنّه لمّا ثبت حدوث العالم ، انتفى الإيجاب ، ولمّا انتفى الإيجاب ثبت الاختيار ؛ إذ لا واسطة بين الإيجاب والاختيار ، فإذا انتفى أحدهما ثبت الآخر ، وذلك لأنّ موجد الشيء إمّا أن يمكن تخلّف أثره عنه وهو المختار ، أولا وهو الموجب ، ولا واسطة بين النفي والإثبات.
ومنها : أنّه إشارة إلى ردّ ما يلزم الأشاعرة القائلين بأنّ القدرة زائدة على الذات (١) فإنّها حينئذ لا تكون مستندة إلى غير الذات ، بل إلى الذات لا بالقدرة بل بالإيجاب ، فيلزم كون الواجب موجبا في البعض ـ وهو صفة القدرة ـ وقادرا في البعض ـ وهو غير ماهيّة الصفات والأفعال ـ فيلزم الواسطة ، والتزموها وهي غير معقولة ؛ لما سيجيء من أنّ صفاته تعالى عين ذاته » انتهى.
وقال شمس العلماء والمحشّين (٢) ـ بعد عنوان قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » ـ : « معنى كلامه موافق لما ذكره في نقد المحصّل (٣) ولا بأس بأن ننقل عبارته ؛ إذ قال فيه ـ بعد ما نقل هذا الاعتراض الذي ذكره الشارح عن الإمام الرازي ـ : والمعتمد في إبطالها أنّ الواسطة يمتنع أن تكون واجبة الوجود ؛ لامتناع أن يكون الواجب أكثر من واحد ، فإذن هي ممكنة وهي من جملة العالم ؛ لأنّ المراد من العالم ما سوى المبدأ الأوّل ، فإذن وقوع الواسطة بين واجب الوجود لذاته وبين العالم محال » انتهى.
وقد يقال (٤) في توجيه كلام المصنّف ـ وهو قوله : « والواسطة غير معقولة » ـ : « إنّه بعد نفي الإيجاب يتوهّم أنّه لا يلزم ثبوت الاختيار ؛ لأنّ الإيجاب الذي علمناه من الطبائع منفيّ عن الواجب جلّ شأنه ، لكن لمتوهّم أن يقول : إنّ الاختيار الذي نشاهد
__________________
(١) تقدّم في أوائل الكتاب الكلام عن مذهب الأشاعرة بزيادة الصفات على الذات.
(٢) لعلّه إشارة إلى الملاّ شمسا الجيلاني في حاشيته على التجريد.
(٣) « نقد المحصّل » : ٢٧٥.
(٤) نسب اللاهيجي هذا التوجيه إلى القيل. انظر : « شوارق الإلهام » : ٥٠٤.