وثانيا : أنّه لا بدّ في كلّ مسألة استدلاليّة من ملاحظة الموضوع جنسا ونوعا وصنفا ووصفا وشخصا ، وكذا متعلّقه ، وكذا المحمول ومتعلّقه وجهة القضيّة ، وتعيين محلّ الكلام ؛ لئلاّ يصير النزاع لفظيّا ، ولا يحصل الخلط والاشتباه.
وثالثا : أنّه لا بدّ للمخاطب من الإنصات والالتفات والتخلية عن الشبهات والإدراك والإنصاف لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل.
ورابعا : أنّه لا بدّ من إعمال آداب المناظرة بترك الاعتراض عند نقل المذهب إلاّ في صورة الشبهة ، ومعرفة مقام المنع والمناقضة والنقض والحلّ والمعارضة ، بأنّ عدم تسليم مقدّمة معيّنة منع غير محتاج إلى السند ، وعدم التسليم إجمالا نقض إجماليّ ومناقضة تحتاج إلى بيان الخلل بالنقض بوجود مقتضى الدليل فيما لا يقول به المستدلّ ، بل ولا غيره ، والحل بإبطال الدليل ، وأنّ الإتيان بدليل مثبت لخلاف مدّعى المستدلّ يسمّى معارضة صرفة أو مع المنع.
وخامسا : أنّ بعض أفاضل العصر قد أفاد أنّ الأدلّة ثلاثة ، كما قال سبحانه لنبيّه : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). (١)
فالأوّل دليل الحكمة ، وهو آلة للآية المحكمة ، أي علم التوحيد ، وهو أشرف الأدلّة ؛ ولهذا قدّمه الله تعالى ، وهو عبارة عن الدليل الكشفيّ العيانيّ الذي يخبر به المستدلّ بعد معاينة ما أراد الله من معاني ألفاظه ، لا مجرّد الألفاظ.
وشروط العلميّة ، منه (٢) أن يجمع قلبه على استماع المقصود والتوجّه إليه من غير أن يريد العناد والردّ ؛ لأنّه لو استمع وهو يريد الردّ والعناد ، كان مشتغلا بغير ما هو
__________________
الرابع : الوجه المبسوط بذكر أقوى الأدلّة مع ملاحظة السند والمتن والدلالة والفحص عن المعارض الأقوى لكنّه على الوجه المذكور.
الخامس : الوجه الأبسط بذكر جميع الأدلّة أصلا ومعارضا ، كما أشرنا إليه. ( منه رحمهالله ).
(١) النحل (١٦) : ١٢٥.
(٢) كذا في النسخ. والصحيح : « منها ».