ما أورده الشارح.
وتقريره : أنّ موجد القادر المختار وخالقه يجب أن يكون قادرا كما أنّ موجد العالم يجب أن يكون عالما ، على ما سيجيء في مبحث إثبات علم الواجب جلّ شأنه ، فتجويز كون الواسطة قادرا مختارا دون موجده وخالقه غير معقول.
والوجهان متقاربان لكنّ الفرق بينهما بيّن (١).
واعلم أنّ جميع ما ذكرنا من التوجيهات لقول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » إنّما هو على سبيل المماشاة وعدم بيان الإيجاب الذي هو محلّ النزاع بين الحكماء والمتكلّمين ، فنقول : قد عرفت فيما سبق أن الإيجاب له ثلاثة معان :
أحدها : الإيجاب الذي يكون للطبائع كالنار ، وهذا المعنى منفيّ عن الواجب جلّ شأنه بإجماع العقلاء.
وثانيها : الإيجاب الخاصّ وهو الوجوب بالنظر إلى الإرادة ، وهذا الوجوب ثابت له تعالى بإجماع الحكماء والمعتزلة ؛ لأنّه لا نزاع بين الحكماء والمتكلّمين في إثبات القدرة والاختيار ، على ما نقلنا عن المصنّف في شرح الإشارات. (٢)
وثالثها : امتناع انفكاك وجود العالم عن وجود الواجب تعالى ، وهذا المعنى ثابت له تعالى عند الحكماء القائلين بقدم العالم ، ومنفيّ عنه جلّ شأنه بإجماع المتكلّمين ، بل بإجماع الملّيين ، فالنزاع بين الحكماء والمتكلّمين ليس إلاّ في المعنى الأخير ، وهذا النزاع يرجع إلى النزاع في قدم العالم وحدوثه ، فالنزاع بين الحكماء والمتكلّمين ليس إلاّ في قدم العالم وحدوثه.
إذا عرفت هذا التحقيق فيمكن لك توجيه كلام المصنّف على وجه يكون مبنيّا
__________________
(١) لأنّ الوجه الأوّل من باب عدم صحّة زيادة الفرع على الأصل ، والوجه الثاني من باب عدم صحّة كون معطي الكمال فاقدا له. والوجهان وإن كانا مستندين إلى عدم صحّة نقص الفاعل الموجد للكامل إلاّ أنّ الأوّل باعتبار ملاحظة قبول الكمال من الناقص ، والثاني باعتبار ملاحظة إعطاء الكمال مع فقده ( منه رحمهالله ).
(٢) « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٨١ ـ ٨٢.