وما يشعر بذلك ما روي عن بعض أئمّتنا ـ صلّى الله عليهم ـ : « لا جبر ولا تفويض ـ في أفعالنا الاختياريّة ـ بل أمر بين أمرين » (١).
إلى أن قال : « وإذا عرفت بالبرهان أنّ مفيض الوجود لا يكون إلاّ الواجب جلّ سلطانه ، وأنّ الإمكان بالفحص والبرهان علّة للاحتياج إلى الواجب بالذات لا إلى علّة ما مطلقا ، فاعلم أنّ سلسلة الممكنات المترتّبة إذا لوحظت باعتبار أنّ كلّ واحد واحد منها بحسب جوهر ذاته الممكنة مجعول الواجب بالذات ، تكون بهذا الاعتبار سلسلة عرضيّة ، وجميع آحاد تلك السلسلة متساوية في الفاقة والاستناد إليه جلّ شأنه ابتداء بلا واسطة ، وإذا لوحظت تلك السلسلة باعتبار أنّ بعضها مربوط ببعض آخر ومتوقّف عليه من حيث الشرطيّة والمشروطيّة والسببيّة والمسبّبيّة ـ بناء على أنّ بعضا لمّا كان ناقصا في حدّ ذاته بحيث يمتنع استناده إليه جلّ شأنه بدون الشروط والأسباب ، فيحتاج إلى الشروط والأسباب ليمكن له الاستناد إليه جلّ شأنه ـ تكون سلسلة طوليّة منتهية إليه تعالى بالضرورة البرهانيّة ، فالممكنات باعتبار السلسلة الطوليّة يختلف مراتب احتياجها إلى الواجب جلّ سلطانه ، فكلّ ما كان أبعد عن جنابه تعالى يكون احتياجه إليه جلّ شأنه أكثر ؛ لأنّه يحتاج إلى جنابه تعالى في إفاضة وجود نفسه وإفاضة وجود شرائطه وأسبابه ؛ لنقصانه عن أن يستند إليه جلّ شأنه بدون تلك الشروط والأسباب ، وكلّ ما كان أقرب يكون احتياجه أقلّ ؛ ولهذا قال بعض الأكابر من الحكماء : كلّما كان المعلول أبعد كان الفيض والخير أكثر ، وكلّما كان المعلول أقرب كان الفيض والخير أقلّ فالعقل الأوّل والنظام (٢) الجملي يستندان إلى الواجب جلّ سلطانه بلا واسطة ، فلا يتصوّر سلسلة طوليّة بالقياس إليهما بل المتصوّر بالقياس إليهما هو السلسلة العرضيّة ، وبالقياس
__________________
(١) « الكافي » ٢ : ١٦٠ باب الجبر والقدر ... ح ١٣ ؛ « التوحيد » : ٣٦٢ باب نفي الجبر والتفويض.
(٢) أي جميع ما سوى الله. ( منه رحمهالله ).