إلى ما عداهما يتصوّر السلسلة الطوليّة والعرضيّة جميعا.
ومن قال بهذه التحقيقات كالمحقّقين من الحكماء والمتكلّمين لو قال : إنّ بعض ممكن (١) علّة لبعض آخر ، فليس مراده إلاّ الشرطيّة والسببيّة ، لا أنّه يصحّ أن يكون ممكن علّة فاعليّة بالقياس إلى ممكن ، فلا يعترض عليه بما اعترض أبو البركات البغدادي ، وحاصل اعتراضه أنّ الحكماء يقولون تارة : لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله ، وتارة : إنّ العقل الأوّل علّة للعقل الثاني فبين كلاميهم تدافع (٢).
وأجاب عنه المصنّف بما حاصله : أنّ مرادهم بكون العقل الأوّل علّة للعقل الثاني ليس إلاّ السببيّة والمسبّبيّة ، والشرطيّة والمشروطيّة ، لا أنّ العقل الأوّل علّة مفيضة لوجود العقل الثاني ، والعقل الثاني يكتسب الوجود منه (٣).
ومن قال بأنّ بعض الممكنات يفيض وجود بعض آخر كالعقل الأوّل للثاني لا يقول بأنّ الإمكان علّة الاحتياج إلى الواجب بالذات ابتداء ، بل علّة الانتهاء إلى الواجب بالذات ، بمعنى أنّ الممكن له احتياجان : احتياج إلى علّته القريبة ونحوها من الوسائط ، واحتياج إلى الواجب ، فليس شيء من الممكنات غنيّا عن الواجب » انتهى. وهو جيّد.
الثاني (٤) ـ أي من جملة أنواع الاعتراضات للخصم وأدلّة المخالفين وحججهم على نفي القدرة ـ أنّ اتّصاف الواجب تعالى بالقدرة ممّا يقتضي صحّة الفعل والترك ، وكلّ ما هو كذلك فهو محال.
أمّا الصغرى فواضحة ؛ لأنّها من لوازم القدرة ، بمعنى كون الشخص بحيث إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، كما لا يخفى.
__________________
(١) كذا ، والصحيح : « الممكنات ».
(٢) « المعتبر في الحكمة » ٣ : ١٦١ ـ ١٦٣ ؛ « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٢٤٩.
(٣) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٤) مرّ الأوّل في ص ٧٧.