الفصل الأوّل :
في أنّ بعث الله تعالى النبيّ ـ المخبر عن الله تعالى بنحو
الوحي من غير اجتهاد ـ بالحسن التامّ ، فيكون واجبا عقلا مع أنّه واقع نقلا
بيان ذلك عقلا أنّ للبعثة فوائد :
الأولى : تقوية العقل في الأحكام التي يستقلّ بإدراكها ، والدلالة على ما لا يستقلّ فيه.
الثانية : تنبيه العقلاء على لزوم معرفة الله التي هي الأساس الموجب للحياة الأبديّة والسعادة الأخرويّة ؛ لانغمار العقول باللذائذ الجسمانيّة والشهوات الحيوانيّة والعلائق البدنيّة التي يميل إليها الطبع ، فالناس كلّهم لا بدّ لهم من الإيقاظ من نوم الغفلة والجهل بالدعوة النبويّة ليحصّلوا المعارف اليقينيّة.
الثالثة : إرشاد الناس إلى المنافع النفسانيّة والجسمانيّة ؛ إذ معرفة المنافع البدنيّة والمضارّ البدنيّة بالتجربة تتوقّف على مرور الدهور وهلاك كثير من الناس ، فلا بدّ ممّن يعرفها من الله ؛ ولهذا خلق الله قبل الكلّ نبيّا وهو آدم عليهالسلام.
الرابعة : حفظ نوع الإنسان ؛ لأنّه مدني بالطبع ، بمعنى أنّه بالطبع محتاج إلى معاونة بعضهم بعضا في الغذاء واللباس والمسكن والآلات لدفع العدوّ ونحوه ، ولا يمكن لأحد من الأفراد الإتيان بجميع ما يحتاج بنفسه كما لا يخفى ، بل لا بدّ من اجتماع جماعة في موضع يمكن إعانة بعضهم بعضا لينتظم أمر معاشهم ويترتّب