الفصل الثاني :
في أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله يجب أن يكون معصوما عن
العصيان والنسيان ، بل عن جميع ما يوجب تنفّر الإنسان
اعلم أنّ العصمة ملكة إلهيّة موهوبيّة بكمال الفطانة ، لا كسبيّة ولا ذاتيّة ، مانعة عن حصول الذنوب وصدور القبائح والعصيان في حالتي العمد والنسيان في مدّة عمر بعض أفراد الإنسان ، على وجه الاختيار لا على وجه الإكراه والإجبار ؛ كما هو ظاهر قوله : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ) (١) وظاهر إطلاق لفظ « المعصوم » ، مضافا إلى أنّ الذاتيّة تقتضي نفي المدح والفضيلة مع أنّه لا إكراه في الدين.
وبعبارة أخرى : هي حالة نفسانيّة ـ غريزة ـ يمتنع بها صدور داعي الذنوب امتناعا وقوعيّا ، لا عقليّا وذاتيّا ، فيمتنع صدور الذنوب مع القدرة عليها.
وبالقيد الأوّل تمتاز عن العدالة ؛ إذ لا يعتبر فيها كون الملكة موجبة لامتناع صدور الذنوب. ويمكن الامتياز من جهة أخرى وهي إمكان صدور الذنوب مع العدالة ولكن مع التعسّر سيّما الصغيرة ، فيكون المنع عن صدور الذنوب فيها أغلبيّا لا كلّيّا. بخلاف العصمة ؛ فإنّ صدورها معها ممتنع وإن كان القدرة عليها متحقّقة ؛ إذ الامتناع بسبب عدم الداعي ، أو وجود المانع لا ينافي القدرة ، كما أنّ الوجوب بسبب
__________________
(١) يوسف (١٢) : ٥٣.