بالنسبة إلى ما بعد البعثة فقط ، أو يجب أن تكون بالنسبة إلى ما قبلها أيضا؟ (١)
والحقّ وجوب عصمتهم مطلقا من جهة الكذب مطلقا ، وغيره صغيرة وكبيرة مطلقا ، عمدا وسهوا ، بعد البعثة وقبلها.
أمّا عن الكذب في التبليغ فلمنافاته له. وأمّا عنه في غيره وعن غيره مطلقا فلوجوب الاتّباع المنافي لصدور الذنب عنه مطلقا ، أمّا بعد البعثة فظاهر ، وأمّا قبلها فلحصول النفرة المانعة عن الاتّباع ولو بعد البعثة ، ولصيرورته محلّ المناقشة والمشاجرة ، والمقصود أن يكون بعثهم بحيث لا يكون للناس على الله حجّة.
وهذا الوجه عامّ يقتضي امتناع صدور جميع المعاصي عنه في أيّ حال كان عمدا وسهوا ، وبعد البعثة وقبلها ، بل يقتضي لزوم تنزّههم عليهمالسلام عن جميع العيوب الجسمانيّة ، والأخلاق الذميمة النفسانيّة ، والأمراض المزمنة ، وخساسة الذات ودناءتها وكفر الآباء والأمّهات ، ورذالة القبيلة ، وغيرها ممّا يوجب تنفّر الطبائع المانع عن الاتّباع والإرادة ، بل يجب اتّصافهم عليهمالسلام بجميع صفات الكمال والأخلاق الحسنة ، والأقوال الممدوحة وكرامة الآباء وشرافة القبيلة ، ونحوها ممّا يوجب رغبة الناس إليهم وانقيادهم لهم ليحصل الغرض ، ويتحقّق اللطف الواجب على الله تعالى كما لا يخفى.
والحاصل : أنّه يدلّ على وجوب عصمة الأنبياء أوّلا العقل ؛ لأنّ بعث البشر المعصوم المرقوم لطف ؛ لعدم ارتباط الجميع بالملك ـ لو لم ندّع عدم الإمكان ـ إلاّ فيمن شذّ وندر ، فلا بدّ من بعثته ـ إتماما للحجّة ـ للغرض والحجّة ؛ مضافا إلى أنّ غيره مرجوح.
وثانيا : النقل كما قال تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) (٢).
__________________
(١) انظر تفصيل هذا الخلاف في « كشف المراد » : ٣٤٩ ، المسألة الثالثة في وجوب العصمة.
(٢) يوسف (١٢) : ١٠٩.