في العبوديّة ودكّوا جبال الإنّيّة بلغوا مقام الحديدة المحميّة ، فصار فعلهم فعل الله ، وقولهم قول الله ، وحكمهم حكم الله ، وأمرهم أمر الله ، ونهيهم نهي الله ـ إلى أن قال : ـ ولمّا كانت الأشياء متقوّمة بهم ومبتدئة بهم وصادرة عنهم عليهمالسلام وهم لا ينظرون إليهم نظر الاستقلال فصارت التعبيرات تختلف بالنسبة إليهم عليهمالسلام فمرّة يعبّر عنهم باليد ، ومرّة بالقدرة ، ومرّة بالعلم ، ومرّة بالاسم ، ومرّة بالتوحيد ، ومرّة بركن التوحيد ، ومرّة بالجلال ، ومرّة بالجمال ، ومرّة بالعظمة ، ومرّة بالرحمة ، ومرّة بالألوهيّة ، ومرّة بالهويّة ، ومرّة بالوجه ، ومرّة بالجنب ، ومرّة بالاسم ، ومرّة بالمسمّى ، ومرّة بالمعنى وهكذا سائر التعبيرات.
ومرجع كلّ ذلك إلى ما ذكرنا لك من سرّ الأمر بين الأمرين ، فإذا صحّ أنّ الوجودات كلّها آثارهم الصادرة عنهم بالله عزّ وجلّ فوجودها عندهم كالنقطة في الدائرة ، ولا شكّ أنّ المؤثّر محيط وعالم بجميع جهات أثره ممّا أحدثه وممّا يحدثه فيما بعد ، كلّ ذلك حاضر عنده موجود لديه ، كما أنّك تعلم ما تريد أن تصنع فيما بعد من آثارك إلاّ أنّه أعطاهم قدرة كلّيّة جامعة عامّة شاملة وأعطاك قدرة جزئيّة ضعيفة ، فأنت أثر الوليّ كما أنّ قيامك أثرك ، فأنت أثر بالنسبة إليه كما أنّ قيامك ذات بالنسبة إلى صفاته وأحواله العارضة له ، كما أنّك تعمل بالأمر بين الأمرين أعمالك ، كذلك الوليّ عليهالسلام علمه السماوات والأرض وما كان وما يكون إلى يوم القيامة إلى ما لا نهاية له ؛ لأنّه وجه الله الذي لا تعطيل له في كلّ مكان ، ويده المبسوطة بالبرّ والامتنان ، ورحمته الواسعة ، وقدرته الكاملة الشاملة ، فيعلم ما يكون حين ما كان قبل أن يكون. انتهى. ـ إلى أن قال ـ : فالمستقبل عندهم عين الماضي والماضي عين الحال ، ومعنى ذلك رفع الماضي والحال والاستقبال ، فالوقت الذي عرفوا القيامة الكبرى ـ مثلا ـ هو الوقت الذي عرفوا وجود آدم أبينا عليهالسلام ؛ لأنّ زمانهم سرمد بالنسبة إلى الأنبياء ـ إلى أن قال ـ : فالأشياء كلّها في جميع أحوالها حاضرة لديهم