الجيوش للجهاد والدفاع ونحو ذلك ممّا فيه مظنّة وقوع الفتن ـ لطف على المكلّفين ؛ إذ لا يتمّ الغرض ـ وهو الاستعداد للنعيم الأبدي ـ إلاّ به كما لا يخفى ، فهو واجب في الصورة المفروضة بدلا عن النبوّة ؛ لأنّ الوقائع غير محصورة والحوادث غير مضبوطة بحيث لا يكفي الكتاب والسنّة ، بمعنى أنّه لا يكفي ـ كما نشاهد ـ أنّ فرق الأمّة ثلاث وسبعون ، وكلّهم يقرءون القرآن ، ويزعم كلّ فريق أنّه على الحقّ ، فلو كان القرآن في رفع الحيرة كافيا لما وقع ذلك ، فلا بدّ من إمام منصوب من قبل الله المتعال معصوم عاصم عن الضلال لو فقد المانع ، ويحصل التمكّن من الامتثال لقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١).
والاعتراض بإمكان حصول اللطف من جهة كون جميع المكلّفين معصوما فلم يحتاجوا إلى الإمام من أفحش الأغلاط ؛ لامتناع ما فرض عادة ، سيّما أنّ المكلّفين الموجودين بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع كونهم غير معصومين ضرورة كانوا محتاجين إلى الإمام عليهالسلام ، والعجب أنّهم يوبّخون القائل بوجود معصوم واحد ويجوّزون عصمة كلّ الناس.
وما يقال من أنّه يحتمل أن يكون مفسدة مانعة عن نصب الإمام فلا يجب على الله وإن لم تكن المفسدة معلومة لنا.
ففيه أنّ المفسدة إمّا دينيّة أو دنيويّة ، وكلاهما في نصب الإمام العادل المعصوم منفيّان.
أمّا الأولى فظاهرة ؛ لأنّه حافظ للشريعة ، ففيه مصلحة لا مفسدة.
وأمّا الثانية ؛ فلأنّها راجعة إلى مصالح العباد ومفاسدهم في الحياة الدنيويّة وحفظ النظام وإخلاله ، وليس في تلك الأمور ما يحكم العقل بكون نصب الإمام عليهالسلام مفسدة بالنظر إليه ، بل هو جازم بأنّ سدّ مفاسد أمور المعاش لا يمكن إلاّ بوجود سلطان
__________________
(١) النحل (١٦) : ٤٣ ؛ الأنبياء (٢١) : ٧.