إذ لا خير في المذنب ، لكن اللازم منتف ؛ لقوله تعالى في حقّ بعضهم : ( إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ) (١) ، ( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ) (٢).
بقي الكلام في أنّ العصمة من أيّ معصية تجب ؛ فإنّ ما يتوهّم صدوره عن الأنبياء من المعاصي إمّا أن يكون منافيا لما تقتضيه المعجزة كالكذب فيما يتعلّق بالتبليغ ، أولا؟ والثاني إمّا أن يكون كفرا ، أو معصية غيره ، وهي إمّا أن تكون كبيرة كالقتل والزنى ، أو صغيرة منفّرة كسرقة لقمة والتطفيف بحبّة ، أو غير منفّرة ككذبة وشتمه وهمّ بمعصية ، كلّ ذلك إمّا عمدا أو سهوا ، بعد البعثة أو قبله.
والجمهور على وجوب عصمتهم عمّا ينافي مقتضى المعجزة ، وقد جوّزه القاضي سهوا ؛ زعما منه أن لا يخلّ في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر. وقد جوّزه الأزارقة من الخوارج ؛ بناء على تجويزهم الذنب ، مع قولهم بأنّ كلّ ذنب كفر. وجوّز الشيعة إظهاره تقيّة ؛ احترازا عن إلقاء النفس في التهلكة.
وردّ بأنّ أولى الأوقات بالتقيّة (٣) ابتداء الدعوة ؛ لضعف الداعي وشوكة المخالف ، وكذا عن تعمّد الكبائر بعد البعثة ، وجوّزه الحشويّة.
وكذا عن الصغائر المنفّرة لإخلالها بالدعوة إلى الاتّباع ؛ ولهذا ذهب كثير من المعتزلة إلى نفي الكبائر قبل البعثة أيضا ، وبعض الشيعة إلى نفي الصغائر ولو سهوا ، والمذهب عند محقّقي الأشاعرة منع الكبائر والصغائر الخسيسة بعد البعثة مطلقا ، والصغائر غير الخسيسة عمدا لا سهوا.
وذهب إمام الحرمين من الأشاعرة ، وأبو هاشم من المعتزلة إلى تجويز الصغائر عمدا (٤).
__________________
(١) الأنبياء (٢١) : ٩٠.
(٢) ص (٣٨) : ٤٧.
(٣) في الأصل : « بالبعثة » وما أثبتناه موافق لما ورد في « شرح القوشجي » : ٣٥٧ ـ ٣٥٩.
(٤) انظر تفصيل الأقوال في « كشف المراد » : ٣٥١ وما بعدها.