وإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأخبار المذكورة ـ عند من وصلت إليه على وجه الإسناد كالعنعنة على وجه حصل له به العلم بصحّة مضمونها ـ تكون متواترة ولو بالتواتر المعنوي ، وعند من لم تصل إليه على الوجه المذكور ـ ولكن تظافرها اقتضى العلم بصحّة مضمونها ـ تكون متظافرة ، وكلّ منهما أمر وجدانيّ لا اعتراض لفاقده على واجده ؛ إذ ليس لمن لا يعلم على من يعلم سبيل.
على أنّ اجتماع المخبرين البالغين إلى الحدّ المذكور على الكذب على الرسول على وجه الاتّفاق لمّا كان ممتنعا عادة ؛ لعدم الداعي عليه كما في صورة الصدق فإنّه واقع قطعا ، وكذا الاتّفاق على وجه المواطأة والمواضعة ، لكون الرواة متباعدي البلاد على وجه امتنع اجتماعهم عادة في مكان واحد فضلا عن وقوعه ؛ إذ لو وقع لشاع وامتنع عدم ظهوره مع وجود الداعي على نشره ، وهو عداوة العامّة وتعصّبهم وإظهار ما يسرّ به أرباب السلطنة على وجه العدوان ، وكذا اجتماعهم بالمكاتبة ؛ لعدم المعارفة ولو وقع لشاع ؛ لما ذكر ، مضافا إلى عدم وجود الداعي على المواضعة ؛ لأنّها إمّا لأمر الدين أو الدنيا ، والأوّل مناف للكذب والثاني فاسد ؛ إذ لم يكن من ادّعى النصّ فيه من أهل الدنيا قطّ ، بل لم يكونوا ذوي سلطنة قاهرة داعية إليها من جهة الخوف بل كان الواقع خلافه ، لا يكون على مدّعي التواتر إيراد من تلك الجهة.
والإيراد ـ بأنّها لو كانت متواترة ، لكان العلم بها كالعلم بضروريّات الدين ونحوها ـ مدفوع بأنّ التواتر قد يكون كسبيّا كما أشرنا إليه ، مضافا إلى أنّ حصوله مشروط بعدم سبق شبهة مقضية للاعتقاد بنقيضه ونحو ذلك ، مع أنّه ممّا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.
وأمّا النصّ الخفيّ فهو على قسمين :
الأوّل : ما كان مذكورا في الفرقان ، وهي آيات كثيرة :
الأولى : قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ