فهذه الآية تدلّ على أولويّة عليّ بن أبي طالب في الإمامة واستحقاقه للخلافة بوجوه :
الأوّل : أنّ الله تعالى جعل عليّ بن أبي طالب بمنزلة نفس النبيّ ؛ لأنّه المراد من « أنفسنا » ؛ إذ لا معنى لدعاء الإنسان نفسه كما لا معنى لأمره لنفسه ، وليس المراد به فاطمة والحسن والحسين ؛ لاندراجهم في الأبناء والنساء ، فلا بدّ أن يكون المراد شخصا آخر غير نفسه وغير فاطمة وغير الحسن والحسين ، وليس غير عليّ عليهالسلام بالإجماع ، فتعيّن أن يكون هو المراد ، فيستفاد كونه مساويا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في جميع الصفات إلاّ ما خرج بالدليل كالنبوّة ، ولمّا كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل البشر يلزم أن يكون عليّ عليهالسلام الذي بمنزلة نفسه أيضا أفضلهم حتّى الأنبياء ، فمع وجود الأفضل الأكمل الأعلم الأورع الأتقى لا يجوّز أحد خلافة غيره ، المستلزمة ترجيح المرجوح على الراجح وتفضيل المفضول على الفاضل ، الذي هو الباطل عند كلّ عاقل.
الثاني : أنّ مقتضى التشبيه المطلق المستفاد فيما نحن فيه من قوله تعالى : « أنفسنا » اتّصاف المشبّه بصفات المشبّه به ، سيّما صفاته الشائعة المتبادرة ، ولا شكّ أنّ كون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم رئيسا للمؤمنين وواجب الإطاعة لهم من الصفات المتبادرة ، فيلزم أن يكون عليّ عليهالسلام أيضا رئيسا وواجب الإطاعة بعد النبيّ بل في حال حياته أيضا فغيره غاصب لحقّه.
والثالث : أنّ الغرض من المباهلة هو الغلبة على الأعداء بإجابة الدعاء ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالقرب من الله ؛ ولهذا لم يستظهر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بغير الأربعة من أصحاب الكساء فهم أقرب العباد إلى الله ورسوله فتقديم غيرهم عليهم وعدم اعتقاد إمارتهم ورئاستهم لا يصدر إلاّ عن معاند حاسد أو قاصر كاسد.
والرابع : أنّ دعاءه للمباهلة يدلّ على أنّه في غاية الشفقة والمحبّة لعليّ عليهالسلام وإلاّ لقال المنافقون : إنّ الرسول لم يدع للمباهلة من يحبّه ويحذر عليه العذاب ، فهو أولى من غيره ، فلا يجوز تقديم غيره.