وأجيب بأنّه لو كان في مثل الأمر الخطير المتعلّق بمصالح الدين والدنيا لعامّة الخلق مثل هذه النصوص الجليّة لتواتر واشتهر فيما بين الصحابة ولم يتوقّعوا في العمل بموقعه ولم يتردّدوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام تردّدهم حيث قال الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، ومالت طائفة إلى أبي بكر وطائفة إلى العبّاس وأخرى إلى عليّ ولم يترك عليّ عليهالسلام محاجّة الأصحاب ومخاصمتهم وادّعاء الأمر له والتمسّك بالنصّ عليه بل قام بأمره وطلب حقّه كما قام به حين أفضت النوبة إليه ، وقاتل حتّى أفنى الخلق الكثير مع أنّ الخطب إذ ذاك أشدّ وفي أوّل الأمر أسهل وعهدهم بالنبيّ أقرب وهمّتهم في تنفيذ الأحكام أرغب ، وكيف يزعم من له أدنى مسكة أنّ أصحاب رسول الله مع أنّهم بذلوا مهجهم وقتلوا أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآله وإقامة شريعته وانقياد أمره واتّباع طريقته أنّهم خالفوه قبل أن يدفنوه مع وجود هذه النصوص القطعيّة الظاهرة الدالّة على المراد ، بل هاهنا أمارات وروايات ربّما تفيد باجتماعهما القطع بعدم مثل تلك النصوص ، وهي أنّها لم تثبت عمّن يوثق به من الحديث مع شدّة حبّهم لأمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين ، ولم ينقل عنه في خطبه ورسائله ومفاخراته ومخاصماته وعند تأخّره عن البيعة إشارة إلى تلك النصوص ، وجعل عمر الخلافة شورى بين ستّة ودخل عليّ في الشورى وقال العبّاس لعليّ عليهالسلام : امدد يدك أبايعك حتّى يقول الناس : هذا عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بايع ابن عمّه فلا يختلف فيك اثنان ، فقال أبو بكر : وددت أنّي سألت النبيّ صلىاللهعليهوآله عن هذا الأمر فيمن هو وكنّا لا ننازعه ، وحاجّ عليّ معاوية ببيعة الناس لا بنصّ من النبيّ.
ولقوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) وإنّما جمعت الأوصاف فى عليّ ).
__________________
(١) المائدة (٥) : ٥٥.