دون المدافعة بالأبدان والأشباح ، فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ، ولو عارضوا لنقل إلينا ؛ لتوفّر الدواعي وعدم الصارف ، والعلم بجميع ذلك قطعي كسائر العاديّات لا يقدح فيها احتمال أنّهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها ، أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع كعدم المبالاة والاشتغال بالمهمّات.
وإلى هذا أشار بقوله : ( والتحدّي مع الامتناع وتوفّر الدواعي يدلّ على الإعجاز ) وأيضا أتى بأمور أخر خارقة للعادة بلغت كلّها حدّ التواتر وإن كانت تفاصيلها من الآحاد.
وإلى هذا أشار بقوله : ( والمنقول معناه متواترا من المعجزات يعضده.
وإعجاز القرآن قيل : لفصاحته ، وقيل : لأسلوبه وفصاحته معا ، وقيل : للصرفة ، والكلّ محتمل ).
الجمهور على أنّ إعجاز القرآن لكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في فنّ البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام.
والمراد بالفصاحة في عبارة المتن ما هو أعمّ منها ، ومن البلاغة وإطلاقها على هذا المعنى شائع.
وقال بعض المعتزلة : إعجازه لأسلوبه الغريب ونظمه العجيب المخالف لما عليه كلام العرب في خطبهم والرسائل والأشعار.
وقال القاضي الباقلاني وإمام الحرمين : إنّ وجه الإعجاز هو اجتماع الفصاحة مع الأسلوب المخالف لأساليب كلام العرب من غير استقلال لأحدهما ؛ إذ ربما يدّعى أنّ بعض الخطب والأشعار في كلام أعاظم البلغاء لا ينحطّ عن جزالة القرآن انحطاطا [ القرآن ] (١) انحطاطا بيّنا قاطعا للأوهام ، وربما تفيد نظم ركيك يضاهي نظم
__________________
(١) الزيادة أضفناها من المصدر.