بالأجسام أقرب إلى المبدإ من حيث الوجود والوساطة في الغلبة.
وكونها أشرف من هذه الجهة لا ينافي ما ذكرنا ؛ إذ الفضل غير الشرف ، مضافا إلى أنّ النفس الناطقة لمّا كانت بحسب الفطرة قابلة للترقّيات يمكن أن يحصل لها شرف أعلى من شرفهم فتجمع بين الكمال الشرفي والفضلي ، وتصير قابلة لإفاضته الفيض بلا واسطة كما روي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » (١).
فنقول : إنّ للأنبياء مع وجود المانع كمالا يكون للملائكة مع عدمه ، وكلّ من كان له مع المانع كمال يكون للآخر بلا مانع ، يكون أفضل من ذلك الآخر ، فيكون الأنبياء أفضل من الملائكة.
ويدلّ عليه أمر الملائكة بالسجود لآدم عليهالسلام وتعليم آدم لهم ، وما يكون مقتضاه اصطفاء الأنبياء على العالمين الذين يكون الملائكة منهم لأفضليّة المسجود له من الساجدين ـ وإلاّ يلزم القبح ـ وأفضليّة المعلّم من المتعلّم والمصطفى من غيره.
وأقوى الأدلّة المنقول عن المخالف أنّ العقول المجرّدة فيّاضة للعلوم والكمال على النفوس الناطقة ، والمفيض أفضل من المستفيض بالضرورة ، وقوله تعالى : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) (٢) ؛ إذ المراد منه جبرئيل عليهالسلام فإذا كان جبرئيل معلّما لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم يكون أفضل منه.
والجواب عن الأوّل : منع كونها مفيضة ، بل هي واسطة لإفاضة الله تعالى ـ على تقدير تسليم وجودها ـ وأفضليّة الواسطة من المستفيض ممنوعة.
وعن الثاني : أنّ المراد من التعليم هو التبليغ ، لصراحة الآيات الأخرى أنّ روح الأمين كان منزّلا للقرآن على قلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأفضليّة المبلّغ من المبلّغ إليه
__________________
(١) « بحار الأنوار » ٧٩ : ٢٤٣ باب علل الصلاة ... ح ١.
(٢) النجم (٥٣) : ٥.