وكذا عوض تمكين غير العاقل كالسباع على الإيلام بخلاف الإحراق عند الإلقاء في النار والقتل عند شهادة الزور ؛ فإنّ العوض واجب علينا لا على الله وفيما سبق واجب على الله تعالى ، ولا يتحقّق غالبا في الدنيا بالوجدان والعيان ، فيجب أن يكون في الآخرة ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالمعاد الجسماني.
وأيضا إنّه تعالى وعد المكلّف بالثواب على الإطاعة ، وتوعّد على العقاب بالمعصية بعد الموت ، وجعل كلاّ منهما جسمانيّا كما في قوله تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً ) ، (١) فيجب العود إيفاء للوعد والوعيد ؛ لئلاّ يلزم الكذب المحال عليه تعالى كما مرّ سابقا.
وأيضا فإنّه تعالى كلّف بالأوامر والنواهي ، فيجب الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ؛ لئلاّ يلزم العبث والظلم ، ولا يمكن ذلك إلاّ بالمعاد الجسماني ؛ إذ الروحاني المحض ليس إلاّ بالالتذاذ بالكمالات العلميّة ، وأمّا العمليّة فلا فائدة لها إلاّ الالتذاذ الجسماني.
وأمّا [ وجوبه ] نقلا ؛ فلقوله تعالى : ( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٢) ؛ لأنّه يدلّ على إثبات المعاد الجسماني بحيث لا يقبل التأويل ، فلو لم يقع يلزم الكذب على الله تعالى وهو محال ، فيجب وقوعه.
وقوله تعالى : ( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (٣).
وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٤).
__________________
(١) النساء (٤) : ٥٦.
(٢) يس (٣٦) : ٧٨ ـ ٧٩.
(٣) يس (٣٦) : ٥١ ـ ٥٢.
(٤) القيامة (٧٥) : ٣ ـ ٤.